نبذل جهداً كبيراً في حياتنا في مسعانا لعيش حقيقة ذواتنا دون تزييف أو نفاق، ونود مشاركة حقيقة مشاعرنا وأفكارنا، أمام مجتمع قد يتطلب منا التزييف مقابل الاندماج فيه. هذا الصراع بين الفرد والمجتمع، أو بين الأنا والأخر، بدأ مع بداية الحضارة، وكان للبشر مساع جمة لتسوية الصراع بمساعدة الأديان والقانون والفلسفة.
“غرفة مع منظر” (A Room with a View) هي رواية من سنة 1908 للكاتب الإنجليزي “إي.إم. فورستر”. تدور الرواية حول صراع “لوسي” ، امرأة شابة، مع ثقافة الكبت والنفاق في انكلترا العصر الإدواردي. أحداث الرواية الرومانسية تدور في إيطاليا وإنجلترا، وتحمل نقداً لاذعاً للمجتمع الإنجليزي في بداية القرن العشرين. اقتُبِست الرواية في فيلم حائز على الأوسكار عام 1985، وصُنِّفت في المرتبة 79 على قائمه أفضل مائة رواية إنجليزية في القرن العشرين.
“درع الزيف مصنوع من الظلام، فهو لا يخبئ فقط الانسان عمن حوله، بل يخبئه عن ذاته.“
“من الصعب جدا، أو على الأقل أنا أجد أنه من الصعب جدا أن نفهم الناس الذين يتكلمون الحقيقة.“
“الحياة ، كما كتب صديق لي، هي عرض تعزف فيه على الكمان أمام جمهور، حين تكون جاهلاً تماما لتقنيات العزف، وتتعلمها خلال هذا العرض المباشر.“
الرواية ذات طابع رومانسي وشخصياتها مركبة وذات أوجه مختلفة. حتى الشخصيات “السلبية” تظهر في نهاية الرواية بشكل انساني نبيل، لتصور التعقيد والازدواجية في النفس البشرية.
“أنا علمته أن يثق بالحب. قلت له عندما يأتيك الحب فهو يريك الحقيقة. العاطفة لا تعمي، العاطفة هي الصحو. والمرأة التي تحبها هي الشخص الوحيد الذي سوف تفهمه يوما.”
الرواية القصيرة التي تمتد على ما يقارب 150 صفحة كانت تحتمل بعد بعضاً من الإطالة لتصف بعمق أكبر أسباب الرباط العاطفي الفوري والمفاجئ بين البطلة “لوسي” وحبيبها “جورج”. “جورج” تصرف في عدة مواقف بصبيانية وعدم نضوج، وكان يبدو أنه يكاد لا يملك الاحترام لعقل لوسي ولسلطتها على جسدها (كما ظهر في ثلاثة مواقف مختلفة حين قبَّلها عنوة وبشكل مفاجئ بدون رغبتها وقبل أن تكون متأكدة من عاطفتها تجاهه). ظهرت في الرواية بعض من “المواقف المشبوهة” التي أثارت تحفظي وحاولت أن أجد لها تحليلا أو تبريرا في السياق الروائي وفي مسار تطور ونضوج الشخصيات. هل كانت هذه المواقف ترسبات من الحقبة التي عاش فيها الكاتب (التي لم تتسم بحقوق وحرية المرأة)؟ أم أن هذه طريقة الكاتب ليجعل شخصية “جورج” عفوية وتلقائية وغير منافقة، لكي يعبر عن عاطفة حب كبير في مجتمع مكبوت موجود تحت ضغوط قوانين اجتماعية صارمة؟
ظهر في الرواية لاحقا حوار نسوي جميل، كدلالة على نضوج أبطالها. البطلة لوسي انتفضت وتحررت ، واستطاعت أن ترسم الحدود. بالمقابل، جورج استطاع أن يدرك نزعته للسيطرة والتملك، وبدى أيضاً أنه في طريقه إلى نضوج.
حوار بين جورج ولوسي، عن خطوبة لوسي لسيسيل
جورج: سيسيل لا يدع امرأة تقرر عن نفسها. إنه من النوع الذي أعاد أوروبا إلى الوراء ألف عام. في كل لحظة من حياته يقوم بهيكلتك ، ويخبرك بما هو جميل أو ممتع أو مهذب ، ويخبرك بما يرغب فيه الرجل ويصفه على أنه “أنوثة” ؛ وأنت من بين جميع النساء ، استمعتي إلى صوته بدلاً من صوتك. لذلك عندما التقيت بكما مرة أخرى قررت أن أُحاربه وقمت بتقبيلك. أتمنى أن يكون لدي المزيد من ضبط النفس. أنا لا أشعر بالخجل ولا أعتذر. لكن هذا أخافك ، ولهذا ربما لم تلاحظي أنني أحبك. وإلا لماذا إذاً طلبت أن أغادر وتعاملتِ مع أمر هام كهذا باستخفاف؟
فكرت لوسي وقالت: “تقول ان سيسيل يريدني أن أنصاع إليه ، لكنك انت أيضاً يا سيد جورج أصبحت مثله”.
استوعب جورج التوبيخ الذي مسه في الصميم وقال: “نعم، كنت كذلك. أنا في الأعماق من نفس النوع الغاشم. هذه الرغبة في التحكم بالمرأة – إنها عميقة جدًا ، ويجب على الرجال والنساء محاربتها معًا. لكني أحبك بالتأكيد بطريقة أفضل منه – أنا أريدك أن تكون لديك أفكارك الخاصة حتى عندما احتضنك بين ذراعي. لوسي ، كوني سريعة – ليس هناك وقت للنقاش الآن – تعالي معي الآن ، أنا لا أستطيع العيش من دونك ، قلت لنفسي “لا فائدة لأنها سوف تتزوج من شخص آخر” ؛ لكني التقيت بك مرة أخرى عند البحيرة عندما كان العالم مضيئاً بالمياه والشمس. أيقنت حينها أنه لا شيء آخر مهم. استعدت رغبتي بالحياة وأردت أن أحظى بفرصة السعادة “.
رد لوسي على خطيبها سيسيل:
“تقول اني متعبه! أنت هكذا دائماً. أنت تعتقد أن المرأة لا تعني ما تقوله… عندما كنا أصدقاء، سمحتَ لي أن أكون على طبيعتي ، لكنك الآن تقوم بإحاطتي دائمًا . لا أريد أكون محاطة بعد اليوم! سوف أختار بنفسي ما هو مهذب وصحيح. إحاطتي إهانة بالنسبة لي. ألا يمكن الوثوق بي وبقدرتي على مواجهة الحقيقة؟ هل يجب أن أحصل عليها فقط من خلالك؟ فعلاً أنت مؤمن “بمكانة المرأة”! … إنها فكرتك القديمة التي أعادت أوروبا إلى الوراء – فكرة أن النساء يفكرن دائمًا وفقط في الرجال. إذا فسخت الفتاة خطوبتها ، يقول الجميع: ” لقد كان لديها شخص آخر؛ او انها تأمل في الحصول على شخص آخر”. هذا مثير للاشمئزاز ووحشي. وكأن الفتاة لا تستطيع فك ارتباطها فقط من أجل الحرية! “.
رواية “غرفة مع منظر” تستحق القراءة لما فيها من عمق وعاطفة نبيلة. لكنني للأسف لم أقتنع أن جورج يستحق فعلا حب لوسي وينقصني أن أتعرف عليه أكثر وعلى سبب مشاعر لوسي تجاهه. يقال أحيانا أنه من الصعب تفسير العاطفة بالكلام، لكنني أعتقد أن العاطفة التي تدخل حيز الوعي والتحليل والفهم تصبح أعمق وأقوى، وهذا ما كنت أرغب فيه لعلاقة لوسي وجورج، كي لا تصبح قصتهم شبيهة بقصص الأميرات والأمراء الضحلة في أفلام كرتون ديزني.
بسمة سعد
أخصائية نفسية علاجية
روعة صديقتي الغالية
إعجابإعجاب