لقد أسعدني جداً أن أرى بشائر إنتفاضة المرأة في العالم العربي. فأنا اعتبرها إنتفاضة صادقة تنبثق من ألمٍ عميقٍ تراكم على مر السنين. حان الوقت أن يسمع صوت المرأة الحرة في رحاب العالم العربي وأن تعطى حقها الطبيعي والإنساني بالحياة الكريمة ولتكون سيدة قرارها بكل ما يتعلق بحياتها. في الأيام الماضية ومن خلال موقع “إنتفاضة المرأة في العالم العربي” قرأت قصصاً مروعة تصف بها سيدات وفتيات ما حصل لهن، وقد صدمتني قوة المأساه. هذه القصص أثارت في داخلي أفكاراً وتساؤلات حول ما ألت إليه الأمور، وألهمتني أن أنظر بعين فاحصة قد تساعدني على فهم الوضع من وجهة نظر “نفسية”. اسمحوا لي أن اشارككم أفكاري.
من دون شك المرأه في العالم العربي هي ضحية مجتمع ذكوري ظالم قد قيدها وتعامل معها ك”غرض جنسي” فاقد القدره على الفكر وضبط النفس والتعقل والوفاء والإحترام، ولهذا وجب أن تفرض عليه قيود تضمن عدم خروجه عن الحدود. للأسف تعتبر المرأة للأن “بنص عقل” ويجب أن يكون هناك من يمنعها من إرتكاب الأخطاء ويتأكد من ألا تكون لديها رغبة أو شهوة. على مر السنين كانت ولا زالت المرأة مقياساً لشرف الرجل (احترامي الكامل للرجل الذي لا تصفه هذه المقالة)، ولهذا عليه أن يضمن بكل الطرق الممكنة ألا يهان شرفه. يبدو أنه ليس للرجل الشرقي أية ثقة بالمرأة التي تحبه وترغب بنفسها أن تحافظ على مشاعره أمام قوانين مجتمع شرقي هي تدركها وتعيها منذ نعومة أظافرها. هل من الممكن أن تكون فكرة أن المرأة شهوانية وفاقدة السيطرة على غرائزها نابعة من إسقاط (projection) يقوم به الرجل الشرقي ليضع بواسطته على المرأة ما يشعر به تجاه نفسه، وبهذا فهو يمتنع عن تحمل مسؤلية غرائزه؟
لا أعتقد أن حل مشكلة المرأة في العالم العربي هي عن طريق إسناد المسؤولية كاملةً إلى الرجل. في هذا الفعل تأسيس وترسيخ للمرأة في موقع الضحية الذي يضعها في مكانة خاملة تمتنع بها من تحمل قدرها من المسؤولية. أعتقد أنه على المرأة تقع مسؤولية كبيرة في الوضع الذي ألت إليه الأمور، وعلى الإنتفاضة أن تبدأ أولاً من داخلها.
تبدأ مسؤليات المرأة بكونها أم. لكل طفل -ذكراً كان أم أنثى- هنالك أم تبني أسس عالمه منذ نعومة أظافره. من هنا يثار التساؤل على أي أسس إجتماعية تربي هذه الأم أطفالها. هذه الأم التي تربت على أسس التفرقة بين الجنسين ووضع الذكر في مرتبة يكون بها المسيطر وصاحب القرار بكل ما يتعلق بالمرأة- هل ستربي أطفالها على نفس هذه الأسس؟ هل ستمارس بنفسها هذه التفرقة بين ابنها وإبنتها؟ للأسف الشديد هذا ما يحصل في معظم الأحيان (صدمت جداً حين سمعت عن حالات ساعدت بها الأم بقتل ابنتها بحجة الحفاظ على شرف العائلة!). وكأن هذه المرأة والأم قد أمنت فعلاً بفكرة “تدنيها” وهي تتصرف على هذا الأساس. نتيجةً لذلك تنتقل الأسس الإجتماعية التي “تدني” المرأة من جيلٍ إلى جيل، وللمرأة نفسها دورٌ في ذلك.
(الصوره منقوله من: موقع “إنتفاضة المرأة في العالم العربي“).
في كثير من الأحيان ردة فعل المرأة الأم المظلومة والمكبوتة قد تتمثل -بطريقة لا واعيه- بظلم ابنائها. فكيف لفاقد الشيء أن يعطيه؟ وكيف لأم لم تشعر يوماً بأنه هناك مكان لأحلامها ورغباتها أن تعطي الحرية لإبنها؟ أم كهذه يمكن أن تسبب البلبلة لإبنها، فمن جهةٍ واحدة هي تعظم سيطرته ورجولته تجاه باقي الإناث، ومن جهة ثانية هي تكبت حريته وتسيطر عليه في علاقتها معه. هكذا تتكون عند كمية كبيرة من الرجال الشرقيين نظرة مزدوجة تجاه النساء -قد تتمثل بمقولة “كل النساء زانيات ما عدا أمي”- وتدخلهم في ألعاب السيطرة في علاقتهم الزوجية.
قد يكون للمرأة أيضاً دور كبير في الوضع الراهن حين تساهم في ثقافة “الثرثرة”. أحياناً قد تكون النساء ظلمات وقاسيات جداً في حق إمرأة يقال أنها “أخطأت”. في مثل هذه الحالات قد تبدأ النساء بالتهويل وممارسة الضغط الإجتماعي دون أن يقفن لحظةً ليفكرن بنتيجة ما يفعلنه، ودون أن يفرض الشك في صحة ما يقال. حتى إن كان ما يقال صحيحاً، هل هناك حق لإمرأة بأن تحاكم إمرأة أخرى؟
أعتقد انه على إنتفاضة المرأة في العالم العربي أن تبدأ من داخلها، حين تؤمن وتثق حقاً بعدم “تدنيها” مقارنةً بالرجل، وتؤسس ثقتها بنفسها كإنسانةً حرةً قادرةً على إتخاذ قراراتها بنفسها، حتى وإن كان الواقع والظلم الخارجي لا يسمح لها فعلياً بذلك. قبل أن يتغير الواقع الخارجي من الضروري أن يتغير الواقع الداخلي المتمثل بما نفكر ونشعر تجاه أنفسنا. حينها تستطيع المرأة أن تكون أماً أفضل، وأن ترسخ في نفسية ابنها وإبنتها فكرة أن لكل إنسان الحق في العيش الحر المتساوي ذكراً كان أم أنثى. أعتقد أنه من أجل نجاح إنتفاضتنا، علينا كنساء أن نقف معاً في جبهةٍ نسائيةٍ واحدة، قوية ومتسامحة ومتفهمة، تدعم وتحمي كل النساء دون تفرقة أو شروط.
أنا مع إنتفاضة المرأة في العالم العربي، إنتفاضة تبدأ من داخلها.
بسمة،
متخصصة في علم النفس العلاجي.
يسلم ثمك يا بسمة وكل الاحترام لكِ….خلص بكفي ظلم وقسوة وذل…احمو انفسكن وارفعو رأسكن..قد حان الوقت لذلك
إعجابإعجاب