جلَست برفقة جدتها في حديقة المنزل الصغيرة، تنتظران مغيب الشمس وبعض النسمات الباردة. جدتها كانت مشغولة بغربلة البرغل أمامها، أما هي فكانت تحدق بإمعان في الأفق البعيد، وظهرت تجعيدة صغيرة في جبينها بين عينيها. علمت جدتها أنها غارقة في التفكير.
-أصبحتِ قليلة الكلام مؤخراً…
– أصبحت أُفضِّل الإصغاء…
– حتى عندما لا يكون هناك أمر جدير بالإصغاء؟
– هناك دائماً أمر جدير بالإصغاء يا جدتي، الأحاديث البشرية تثير فضولي واهتمامي.
– لماذا لا تشاركين بها إذاً؟
– لا أشعر بأن لدي ما أضيفه.
– أنت تقومين بهذا الأمر معي الآن، تتجنبين الكلام.
– لا يا جدتي، معك بالذات أنا لا أتجنب الكلام. ربما إجابتي لم تكن دقيقة. أنا لا أشارك بالأحاديث لأن غالباً ما لدي لأضيفه لن يتماشى مع رغبات المستمعين.
– قررتي الصمت لأنك لا ترغبين بألا يتفق معك المستمعون.
– لا بل أنا أرغب بذلك. لا أريد يتفقوا معي لأنني ربما اكون مخطئة. لكن لا شيء يتغير يا جدتي… كل الأحاديث تبدو فارغة من الفحوى وتختفي كفقاعات الصابون. كنت سأتكلم لو كنت أرى للحديث أي تأثير.
بدأ الظلام يحل، وجاء معه بعض النسيم البارد. وضعت الجدة البرغل جانباً وهي تفكر فعلاً إن كان لا شيء يتغير. فهي ذاتها قامت بغربلة البرغل في كل سنة بنفس الميعاد ونفس الطريقة. لكن حياتها تغيرت، كبرت وهرمت وفقدت بعض من تحب وكبرت عائلتها. بعض الأمور فعلاً لا تتغير، لكن مستحيل أن تبقى الحياة على حالها.
– فقدتي الأمل من الكلام، هذا مؤسف.
– سابقاً كان لدي الحافز والدافع لأعبر عن رأيي، لأعارض أو أناقش. هذا الأمر الذي اعتدت القيام به مع الآخرين أقوم به اليوم مع نفسي في محادثات طويلة لا تنتهي تستمر إلى حد الإرهاق.
– في سنِّي هذا أنا أفهمك، لكن ليس هذا ما أريده من أجلك.
– ماذا تريدين من أجلي؟
– ألا تصمتي، أن تتكلمي ولا تأبهي بأي شيء. ربما الكلام لا يؤثر على سامعيه، لكنه يجب أن يقال.
– أنا غير مقتنعة بهذا يا جدتي، لكنني أعدك أنني سوف أحاول.
– يكفيني وعدك بالمحاولة الآن. تقولين أن لا شيء يتغير، لكن انت من سوف يتغير.
ابتسمت الحفيدة وهي تأخذ المكنسة من يد جدتها لتكنس أوساخ البرغل جانباً. سوف ينتهي قريباً هذا اليوم الذي قبل أن تزور جدتها قضت معظمه أيضاً في حوارات صاخبة، لكن مع نفسها.
مناقشة
لا توجد تعليقات حتى الآن.