أنت تقرأ...
فن ولوحات

رحلتي مع الفنّ

لمتابعة المقالات الجديدة في علم النفس، الأدب والفن، تابعوني في الفيسبوك على صفحة الصحة النفسية وصفحة Basma’s psychology and art.

ليس كلُّ ما نشعر به نستطيع أنْ نعبِّرَ عنه كلاميّاً ولغويّاً. اللغةُ التي تُعَدُّ المستوى الأعلى من الرّمزيَّةِ تحتاجُ كميّةً كبيرةً من الطّاقةِ النَّفسيَّةِ، كما أنَّها تتطلَّبُ الوجودَ ضمنَ علاقةٍ – فإذا كنْتَ تريدُ أنْ تتكلَّمَ، فأنتَ تحتاجُ من يسمعُكَ.

الفنّ، الأدب والموسيقا تطوَّروا من الحاجةِ البشريَّةِ المُلحَّةِ للتّعبيرِ، في داخلِ مساحةٍ آمنةٍ وبطريقةٍ غير مباشرةٍ، بعيداً عن الواقعِ لكن قريبةٌ بالقدرِ الكافي لتستطيعَ وصفَه أو التعبيرَ عنه.

بدأتُ أشعرُ بحاجتي إلى التّعبيرِ بطريقةٍ فنّيّةٍ وغيرِ مباشرةٍ تقريباً منذ أربعِ سنواتٍ، في بدايةِ سنواتِ الثلاثين من عمري. السّباقُ الدّراميّ والمضني لتحقيقِ الذّاتِ خفْتُ سرعتَه، ووجدتُ نفسي متفرّغةً لأنظرَ داخلَ نفسي وأعيدَ حساباتِ ما حصلَ حتّى ذلك الوقتِ في حياتي. يمكن أنْ أصفَ ما حصلَ معي على أنّه أزمةٌ وجوديّةٌ، فيها مشاعري كانت غالباً سجينةً داخلي، والكلماتُ ضاعَتْ مِنِّي. ضائقتي كانَتْ محسوسةً، وظهرَتْ عن طريقِ فقدانِ المعنى والحزنِ العميقِ غيرِ المفهومِ. احتجْتُ جدّاً إلى قنواتٍ غيرِ كلاميَّةٍ في التَّعبيرِ عن النَّفسِ والتَّواصلِ العميقِ معَها.

لوحة من تاريخ 25.7.19

لوحة من تاريخ 25.7.19

كنتُ دائماً متذوِّقةُ ومُحبَّةً للفنّ، وفي سنواتِ مراهقتي كانَ دائماً يرافقُني دفترُ رسوماتي. لكنّ سباقَ الحياةِ جعلني أبتعدُ عن أجزائي الإبداعيّةِ، وغُصْتُ في سنواتِ الدّراسةِ والعملِ دونَ أنْ أنتبهَ لحاجتي للتنفُّسِ.

في مراحلَ سابقةٍ من حياتي رسمتُ سكيتشاتٍ بسيطةً دونَ ألوانٍ، لكن هذه المرّة احتجتُ وجودَها كثيراً. كي أستطيعَ استعمالَ الألوانِ في دفترِ رسمي الصّغيرِ والمتواضعِ، اخترتُ الألوانَ المائيّةَ.

ألوان مائية

ألوان مائية

الألوانُ المائيَّةُ تحدَّتْني بصعوبتِها وسيولتِها ومحدوديَّةِ السَّيطرةِ عليها، وربَّما هذا ما جَذَبَني إليها. المشاعرُ بدأَتْ تتحوَّلُ إلى لوحاتٍ، ومن ثَمَّ صِيْغَتْ في أفكارٍ وكلماتٍ. كوني أخصَّائيَّةً نفسيَّةً تعرَّفْتُ بأهميَّةِ الفنِّ والتَّعبيرِ الابداعيِّ في الحفاظِ على الصِّحَّةِ النَّفسيَّةِ، خصوصاً حينَ تصبحُ الكلماتُ عالقةً في الطَّبقةِ الحسِّيَّةِ من النَّفسِ، غيرَ قادرةٍ على الوصولِ إلى الطَّبقةِ الذِّهنيَّةِ والفكريَّةِ لتكتسبَ معناها هناك. الفنُّ أصبحَ بالنَّسبةِ إليَّ «طريقَ المَلِكِ» لدخولِ «المساحةِ الافتراضيَّةِ» الوَسَطيَّةِ بينَ الفِكرِ والعاطفةِ.

بطاقاتي العلاجية

بطاقاتي العلاجية

لوحاتي كانَتْ مُتنوِّعةً جدّاً: منها الجميلُ, ومنها المؤلمُ, ومنها المُحَيِّرُ, ومنها المُبهَمُ. في كلِّ لوحةٍ هناكَ فكرةٌ أو قصَّةٌ، بدأتْ تأخذُ مَنْ يتطلَّعُ إليها في رحلةٍ إلى أعماقِهِ. بدأتُ أشعرُ أنّي لا أعبّرُ فقط عمّا أشعرُ به، فصرتُ أعبِّرُ عمّا يشعرُ به الكثيرون حولي. في تلك الفترةِ تلقّيتُ توجهاتٍ كثيرة ًمن أطرافٍ مختلفةٍ لتحويلِ لوحاتي الصّغيرةِ إلى بطاقاتٍ علاجيّةٍ تُستعمَلُ في العلاجِ النَّفسيّ. قبلتُ بخوفٍ وحذرٍ الاقتراحَ، وبطاقاتي العلاجية لاقتْ استحساناً ورواجاً كبيرَيْن. في الفترةِ الأخيرةِ بدأتُ العملَ على سلسلةٍ من قصصِ الأطفالِ العلاجيّةٍ، تدمجُ بينَ كلماتي ورسوماتي.

بطاقاتي العلاجية

بطاقاتي العلاجية

أصبحَ الفنّ جزءاً لا يتجزّأ من حياتي، الذي يساهم في صيانةِ صحّتي النّفسيّةِ ويعطيني المساحةَ الإبداعيّةَ التي أحتاجُها كثيراً. ليستْ لديّ أيّ فكرةٍ الى أين سوفَ أتّجِه؟ وفي أيّ اتّجاهٍ سوف أتطوّرُ؟ لكنّي أعلمُ أنّي أشعرُ بالفضولِ لاكتشافِ الطّريقِ.

تابعوني في رحلتي الفنية على انستغرام.

بسمة سعد

About Basma Saad

Clinical psychologist and artist

مناقشة

لا توجد تعليقات حتى الآن.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

اضغط هنا لكي تتسجل للموقع وتحصل على المقالات الجديده مباشرةً لبريدك الالكتروني

انضم مع 91 مشترك

مرحباً

هنا في مدونتي الخاصة أكتب عن الصحة النفسية، ما يدعمها وما يعيقها. أحيانا أكتب من وجهة نظر مهنية، وفي أحيان أخرى أشارك في أفكار واراء شخصية. أعتبر مدونتي مساحتي الخاصة التي تمنحني كامل الحرية الفكرية. اسمي بسمة، وأنا أخصائية نفسية علاجية مع خبرة سنوات طويلة في التشخيص والعلاج النفسي. بالاضافة الى ذلك يشغل الفن والرسم حيزا كبيرا في عالمي النفسي والفكري، وأنا أرسم في الألوان المائية.
%d مدونون معجبون بهذه: