العلاقات الإنسانية بأنواعها كانت دائما موضوع ناقشته الفلسفة، علم النفس والأدب. المسؤولية العاطفية لشخص تجاه آخر تعد أمراً مبهماً، وسؤالاً أخلاقياً الإجابة عليه ليست سهلة- خصوصا في عصر ترتفع فيه نسب الطلاق، والصداقات أحيانا يتم التعامل معها كأنها ليست اكثر من مجرد رقم هاتف او حساب فيسبوك يمكن مسحه او حظره بأي لحظة. المقطع التالي من رواية “الأمير الصغير”، يوضح بشكل أدبي رائع أخلاقيات الموضوع.
قال الثعلب: بالطبع. أنت لست بالنسبة لي سوى طفل صغير شبيه بمائة ألف طفل صغير. وأنا في غنى عنك مثلما أنت في غنى عني. أنا لست بالنسبة إليك غير ثعلب شبيه بمائة ألف ثعلب. لكن إذا دجنتني، سيصير كل منا في حاجة للآخر. ستكون فريدا بالنسبة لي في هذا الكون، وسأكون أنا فريدا بالنسبة لك في هذا الكون…
قال الأمير الصغير: بدأت أفهم. أعتقد أن ثمة وردة دجنتني… . . .
عاد الثعلب لفكرته وقال: “حياتي رتيبة. فأنا أصطاد الدجاج، والناس سيصطادوني. فكل الدجاج يتشابه، وكل الناس يتشابهون. وهذا يشعرني إذا ببعض الملل أحيانا. أما لو دجنتني، ستكون حياتي مرحة. سيكون صوت خطاك بالنسبة لي صوتا مختلفا عن جميع أصوات الخطى الأخرى. وقع الخطى الأخرى تجعلني أختبئ تحت الأرض. أما خطاك فستدعوني للخروج من عرتوقتي كما لو أن لها نغمة موسيقية. ثم انظر! أترى حقول القمح هناك؟ أنا لا آكل الخبز. القمح لا أهمية له بالنسبة لي، وحقول القمح لا تذكرني بشيء. إنه أمر محزن! لكن شعرك بلون الذهب. إذا سيكون الأمر رائعا حين تدجنني لأن القمح المذهب سيذكرني بك. وسأعشق حفيف سنابل القمح حين يحركها الريح… من فضلك… دجني!” . .
وهكذا دجن الأمير الصغير الثعلب. ولما اقتربت ساعة الرحيل، قال الثعلب: “آه سأنتحب…”
قال الأمير الصغير: إنها غلطتك. لم أشأ إيذاءك، لكنك رغبت أن أدجنك…
قال الثعلب: بالطبع.
قال الأمير الصغير: لكنك ستنتحب!
قال الثعلب: بالطبع.
قال الأمير الصغير: إذا لن تستفيد شيئا!
قال الثعلب: سأستفيد بسبب لون القمح. إذهب الآن لرؤية الورود ثانية. ستدرك أن زهرتك فريدة في هذا الكون. وستعود لتوديعي فأهديك سرا.
وعاد الأمير الصغير إلى الورود كي يراها من جديد، وقال لهن: “أنتن لا تشبهن وردتي، بل انتن لستن شيئا. لم يدجنكن أحد، ولم تدجنّ أحدا. أنتن لا تختلفن عما كان عليه ثعلبي. لم يكن سوى ثعلب لا يختلف عن مائة ألف ثعلب غيره، لكنني اتخذته صديقا، فصار فريدا في الكون.”
وبدا الضيق على الورود، فاسترسل يخاطبهن: “أنتن جميلات، بيد أنكن فارغات. لا يمكن التضحية بالحياة في سبيلكن. إن العابر العادي قد يتخيل أن وردتي شبيهة بكن، لكنها منفردة أهم منكن جميعا، فهي من سقيت، وهي من وضعتُ تحت الغطاء الزجاجي، ومن حميت بالستار. وهي من خلّصت من اليساريع (باستثناء يسروعين أو ثلاث ستصير فراشات). وهي من سمعتها تشكو او تتباهى أو حتى تصمت أحيانا. إنها هي وردتي”.
ثم عاد نحو الثعلب وقال: وداعا…
قال الثعلب: وداعا. إليك سري، وهو في غاية البساطة: لا نبصر جيدا إلا بالقلب، والشيء المهم لا تراه الأعين.
– الشيء المهم لا تراه الأعين، ردد الأمير الصغير لكي يتذكر.
قال الثعلب: إن الوقت الذي صرفته من أجل وردتك هو ما أكسبها تلك الأهمية. الناس نسوا هذه الحقيقة، فلا تنسها أنت. تصير مسؤولا إلى الأبد على ما دجنت. فأنت مسؤول عن زهرتك…
كرر الأمير الصغير لكي يتذكر: أنا مسؤول عن وردتي…
قال الأمير الصغير: “أبناء بلدك يغرسون خمسة آلاف وردة في حديقة واحدة… ولا يجدون فيها ما يبحثون عنه… مع أن ما يبحثون عنه ممكن أن يجدوه في وردة واحدة أو قليل من الماء… لكن العيون عمياء، ينبغي البحث في القلب.”
مناقشة
لا توجد تعليقات حتى الآن.