من أكبر مشاكل العصر الحديث هي التوقّعات المثالية و غير الواقعية من الحياة. الأغلبية أصبحت تظنّ أنّ الحياة الطبيعية هي الحياة “المعقّمة” الخالية من المشاكل والصعوبات، ومع وجود شبكات التواصل التي يعرض فيها الكل أجمل ما عنده، يبدو أنّ هذه الفكرة تترسّخ أكثر- خصوصاً بوجود ميل داخلي لدى الإنسان بتعظيم مشاكله الخاصة وعدم قدرته على رؤية مشاكل الآخر ، مقابل ميل خارجي لعدم إظهار معاناته والحفاظ على صورة “معقّمة” لحياته. هذه الفجوة بين ما في داخل الإنسان وما يظهره للخارج تبدو أحياناً كهوّة مليئة بالوحدة والاكتئاب واللا-معنى.
الحياة لا يمكن أن تكون “معقّمة”، لأننا حتى لو حاولنا ترتيبها وجعلناها تبدو لامعة ومصقولة، فإنّ المرض والموت وقلّة السيطرة لا زالوا يقبعون في كلّ زاوية.
الألم وخيبة الأمل هما مشاعر إنسانية وعادية وطبيعية، واللحظات التي نتألّم فيها على مدى سوء حياتنا و كثرة ما يتعبنا ويقلقنا هي أيضاً لحظات عادية وطبيعية. حين نتألّم على مشاكلنا نحن نتألّم على فقدان حلم المثالية، ونتقبّل فكرة أنّ حياتنا لن تكون أبداً نسخة دقيقة من تلك التي رسمناها في مخيلتنا. هذا الألم هو ما يصقل “النفس” ويساهم في نضوجها، كي تبدو المشكلة القادمة عقبةً طبيعيةً في حياة طبيعية (مع استثناء حالات المجاعة والحرب والقصف والدمار التي لا يمكن لأيّ نفس بشرية أن تتقبّلها وتعيش معها).
ما يساعدنا أن نبقي هذه اللحظات كمجرد لحظات كي لا تتحول لاكتئاب عام، هو أن نذكّر أنفسنا أّنّ المشكلة ليست فينا أو في حياتنا بل في أفكارنا و أولوياتنا وتوقعاتنا من الحياة. ربما بعد هذا يمكننا أن نبدأ برؤية معاناة الآخر أيضاً و أن نقدم له أذناً صاغية ومتقبّلة ومتعاطفة. “التعقيم النفسي والعاطفي” هو أمرٌ ضارٌ ومؤلمٌ للجميع، والتغلب عليه الذي يحتاج تواضعاً وشجاعةً ، سوف يحمينا من آلام الاكتئاب طويل الأمد.
بسمة سعد
أخصائية نفسية
للمزيد من مقالات علم النفس إقرأوا باقي مواضيع المدونة وتابعوني في صفحة الفيسبوك.
قام بإعادة تدوين هذه على Variouscity.
إعجابإعجاب