من أجمل ما في العلاقة العاطفية هو أنّك تسمح لشخص أن يدخل أعماق نفسك. محو الحدود الفاصلة بين شخصين والاندماج بينهما يتم تشبيهه في تحليلات علم النفس لتجربة “العودة للرحم”. المكان المثالي ذو الإحساس المثالي- إنها اللحظات التي لا غربة فيها، وكأن الانتماء للآخر يصبح أيضا انتماءً للذات.
لكن هذه النقطة ذاتها هي أيضا أصعب ما في العلاقة العاطفية. الاندماج لا يمكن أن يكون كاملا ، والانفرادية لا زالت قائمة وتدعو كل طرف للحفاظ على ذاته المستقلة. في لحظات الاندماج يضع كل طرف جزءاً من ذاته بين يدي الآخر (أسراره وأحلامه ومخاوفه وأمانيه وأخطاءه)، وفي لحظات الانفرادية يشعر بالخوف من القوة التي وضعها بين يدي الآخر وكأن حدوده النفسية والجسدية لم تعد موجودة لتحميه. أصعب حالات هذا الإحساس تكون بعد انتهاء العلاقة، حيث يسأل الشخص نفسه “ماذا سيحصل الآن مع وجود شخص في هذا العالم يعرف كل هذا القدر عني و أصبح بهذا القرب النفسي مني لكنه لن يكون أبدا قريبا مني بعد الآن؟”.
في كل علاقة عاطفية نضع جزءاً من ذواتنا كضيف أو رهينة أبدية لدى الآخر، وعند انتهاء العلاقة يذهب هذا الجزء معه. تعدد العلاقات العاطفية لا يمكن أن يكون أمراً صحيّاً للنفس البشرية. هو أمر يمكن أن يكون مرهقاً ومؤلماً ومؤذياً للقدرة على الثقة بالنفس والآخر. بعد انتهاء العلاقة قد تحتاج النفس على الأغلب فترة نقاهة لإستخلاص العبر، والتمكن من النضوج والتطور الذاتي والشفاء.
مع إرتفاع معدلات الطلاق وكثرة ما يبدو على أنه ميل لإنهاء العلاقات دون تروي، لا بد من أن نذكر أنفسنا بواقع أنه لا وجود لعلاقة مثالية أبدا… الصعوبات والمشاكل هم جزء من أي علاقة، ويجب أن تملك قدرة الصمود والاستمرار.
طالما أنتما موجودان بعلاقة مشاكلها بسيطة، حافظا عليها وطوراها. لا تسمحا بأن تصلا لنقطة اللا-عودة، لأنها على الأغلب ليست فقط نقطة اللا-عودة للعلاقة، بل نقطة اللا-عودة لذاتك التي عرفتها سابقاً، لأن الشخص الذي كنت مرتبطا به قد غيرك حتى وإن لم تكن مدركا لذلك- فكما قال كارل يونغ: “اللقاء بين شخصيتين هو مثل تلامس مادتين كيميائيتين، إذا حصل أي تفاعل فكلا المادتين سوف تتغيران عن وضعهما الأصلي”.
بسمة سعد
أخصائية نفسية علاجية
للمزيد من مقالات علم النفس إقرأوا باقي مواضيع المدونة وتابعوني في صفحة الفيسبوك.
مناقشة
لا توجد تعليقات حتى الآن.