أنت تقرأ...
أنا ونفسي

نفس وجسد

هناك مشاعرٌ نفكّر بها ونعطيها اسماً ومعنى ، ومشاعر لا تصل لمرحلة التفكير ونشعر بها في أجسادنا، كغثيان وانقباض وقُشعريرة وليونة وانسياب يشبه إحساس المشي على الغيوم. علم النفس يرى أن الإنسان يجب أن تكون له القدرة على الشعور بنوعي المشاعر المذكورة، بشكل معتدل ومتساوٍ، دون انسداد في أي قناة من القناتين.
حين نفهم ونفكر ونحلل بما نشعر نحن “نعرف” ما الذي يحصل لنا أو معنا. المعرفة بحد ذاتها أمر هام نسعى له دائماً، لكن هذه المعرفة ليس من السهل دائماً الوصول إليها بسرعة، وأحياناً تبقى المشاعر كإحساس غير مفهوم في البطن والجلد والجسد. تلك هي لحظات عدم الراحة والتوتر الذي لا نعرف سببه ولا نستطيع التفكير به. النفس لها قدرة على الشعور، كما الجسد له قدرة على الشعور. وعلى الإنسان أن يملك قدرة احتمال مشاعر الجسد التي لم يصل بعد إلى معناها، ولا يكبتها وينكرها ويفصل نفسه عمّا يشعر به جسده. إذا أعطى الجسد مؤشرات توتر وضائقة نفسية يجب أن ننتظر بتروٍ ونحاول أن نسمعه، لأن للجسد أيضاً حقّ الوجود.
نحن نشعر، لكننا لن نعلم دائماً ماذا نشعر أو سبب هذا الشعور. العجلة في إنكار شعور لا نستطيع فهمه أو التفكير به يسبّب ما يسمّى ب”انفصال” عن الجسد، وهو يؤدي لاستعمال مفرط للتفكير به نحلّل كل شيء ونبحث عن أسباب منطقية وواقعية له. ذلك طبعاً على حساب سماعنا للجسد الذي يمدنا بالأسباب العاطفية التي لا تبدو دائماً دقيقة أو منطقية أو مفهومة. حالات صعبة ومتطرفة من “الإنفصال عن الجسد” وجدت عند البالغين الذين تعرضوا لإعتداء جنسي في طفولتهم. الطفل الصغير الذي يتعرض لصدمة بهذا القدر، خصوصا إذا تكررت، يبدأ بإنكار وكبت وفصل أحاسيس جسده مما يؤثر على قدرته كشخص بالغ في التعامل مع المشاعر بليونة وتقبل وهو أمر قد يؤثر على شعوره العام وقدرته على بناء علاقات صحية. حالة كهذه ظهرت في كتاب للمحلل النفسي توماس أوغدن (“Conversations at the Frontier of Dreaming”، الفصل السادس “Re-minding the body”).
حين نخاف، القناة الفكرية تقول لنا : “بما أنك درست للامتحان بشكل جيد، لا يبدو خوفك منطقياً. الخوف سوف يوتّرك ويؤثّر على قدرتك في التركيز لهذا حاول ان تضبط نفسك وتهدأ”. أما القناة الجسدية التي إذا سمعناها وأعطيناها الوقت سوف تقول : “جسدك منقبض وأنت تتنفس بسرعة وتشعر بألم في بطنك، لأنك تشعر بأهمية نجاحك في الامتحان من أجل مستقبلك. خوفك إنساني وطبيعي، تقبّله ولا تلم نفسك لأنك تشعر به”. نحن نحتاج سماع الصوتين بالوقت ذاته، لأن صوتاً واحداً فقط سوف يكون ناقصاً ويؤثّر سلباً على الصحة النفسية وقدرة التأقلم.

بسمة سعد
أخصائية نفسية

للمزيد من مقالات علم النفس إقرأوا باقي مواضيع المدونة وتابعوني في صفحة الفيسبوك.

About Basma Saad

Clinical psychologist and artist

مناقشة

رأي واحد حول “نفس وجسد

  1. روعة!!!
    يعطيك العافية

    נשלח מה-iPhone שלי

    إعجاب

    Posted by Nevien Mansour | 2016/02/07, 12:45 صباحًا

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

اضغط هنا لكي تتسجل للموقع وتحصل على المقالات الجديده مباشرةً لبريدك الالكتروني

انضم مع 91 مشترك

مرحباً

هنا في مدونتي الخاصة أكتب عن الصحة النفسية، ما يدعمها وما يعيقها. أحيانا أكتب من وجهة نظر مهنية، وفي أحيان أخرى أشارك في أفكار واراء شخصية. أعتبر مدونتي مساحتي الخاصة التي تمنحني كامل الحرية الفكرية. اسمي بسمة، وأنا أخصائية نفسية علاجية مع خبرة سنوات طويلة في التشخيص والعلاج النفسي. بالاضافة الى ذلك يشغل الفن والرسم حيزا كبيرا في عالمي النفسي والفكري، وأنا أرسم في الألوان المائية.
%d مدونون معجبون بهذه: