يتم دائما تشجيع العلاقة الإيجابية مع الطفل، وينصح بأكبر قدر من الأحتواء وإعطاء الطفل الحب الممزوج بالاستقلالية والإنفرادية.
حين تغضب على طفلك أنت تشعر بالذنب…
لكن هل تعلم أن التعبير عن غضبك بين الحين والآخر على طفلك لا يقل أهمية عن حبك له، بل وله فائدة لتطوره؟
الغضب على الطفل (المحدود وفي فترات متباعدة) هو ليس فقط ردة فعل طبيعية وإنسانية جدا، بل هو هام من أجل تطوره.
الغضب يجعل طفلك يشعر أنك تكترث له، وبأنه له تأثير عليك. وهذا بحد ذاته أمر هام جدا لتطوره النفسي. التعبير عن الغضب يجعل العلاقة طبيعية وتلقائية، فنحن نسمح لأنفسنا بالتعبير عن مشاعرنا الحقيقية للشخص الذي نشعر بالقرب منه، ولسنا مضطرين لنجامله أو نبني علاقة سطحية معه، كالعلاقة التي فيها باطننا يختلف جدا عن ما نعبر عنه.
بعض العلاجات النفسية (ذكرت في دراسة لدونالد وينيكوت) التي أجريت في العائلات الحاضنة (وهي عائلات تقوم بالعناية بأطفال لا يمكن لأهلهم الحقيقيين الإعتناء بهم) اهتمت بتحسين صحة الاطفال وإعطاء إرشاد للأهل الحاضنين. خلال العلاج وجد أن الأهل الحاضنين كبتوا غضبهم بشكل تام تجاه الأطفال المحضونين، شفقة عليهم أو لأنهم لم يشعروا أن لهم الحق بالغضب على أطفال ليسوا أطفالهم. هذا الأمر جعل الأطفال يعانون من ما يشبه الإهمال العاطفي لأنهم شعروا بأن عدم غضب الأهل الحاضنين عليهم هو عدم إكتراث ودليل على عدم وجود علاقة حقيقية وحب حقيقي.
العلاقة الصحية بين الأهل وأطفالهم ليست العلاقة المثالية والإيجابية دائما، بل العلاقة التي تحتوي قدرة التعامل مع كل المشاعر بكل تعقيداتها. لهذا لا تتردد في المرة القادمة حين يغضبك طفلك أن تقول له “أنا غاضب الآن” أو “أنت تغضبني الآن”.
في نفس السياق، فإن “الدلال المفرط” للطفل يكاد يكون نوع من العنف تجاهه.
الدلال المفرط هو أن لا يكون الأهل قادرين بشكل دائم على الوقوف صامدين أمام إلحاح الطفل على تجاوز حد ما، والسماح له بتجاوزه والحصول على ما يريد.
لنفكر برهة ببعض مما يحصل بداخل الوالد أو الوالدة في لحظات الصراع على الحدود:
– “هل أقوم بالأمر الصحيح بمنعه عما يريد؟ أنا غير متأكد من أنني أقوم بالأمر الصحيح!”.
– “منعه عما يريد يشعرني بأنني عنيف تجاهه، بأنني ربما أسبب له الأذى”.
– “منعه عما يريد يشعرني بالذنب، يشككني بنفسي كوالد/ة صالح/ة، لا أريد هذا الشعور ولا أريد أن أحتمل شكوكي بذاتي”.
لنفكر برهة أيضا ماذا يحصل بداخل طفل صغير لم يصمد والداه أمامه وسمحوا له بتجاوز الحد:
– “هل قمت بالأمر الصحيح عندما جعلت أمي وأبي ينكسرون أمامي؟ أنا غير واثق بأنني قمت بالأمر الصحيح”.
– أشعر أنني كنت عنيفا تجاه أمي وأبي… أشعر أنني سببت لهم الأذى”.
– “أشعر بالذنب، وبأنني طفل غير صالح ومؤذي”.
من خلال المقارنة البسيطة نرى أن كل المشاعر التي هرب الوالدين منها ولم يستطيعوا احتمالها، موجودة الآن لدى طفلهم، الذي يشك الآن بذاته ويشعر بالذنب وبأنه عنيف وغير صالح.
لهذا السبب قلت في البداية، أن “الدلال المفرط” للطفل هو نوع من العنف تجاهه، لما فيه من تأثير سلبي على نظرة الطفل لذاته وتطوره النفسي.
علاقة الطفل بوالديه هي أقرب وأصدق علاقة في حياته، من خلالها سوف يتعلم كل ما سوف يؤثر عليه لاحقا في مسار حياته وعلاقاته. العلاقة يجب أن تكون إيجابية وتتميز بأكبر كمية من الإحتواء، لكنها لا يجب أن تكون “معقمة” ومثالية، بل حقيقية وصادقة، وتعرض الطفل لمدى واسع من المشاعر الأيجابية غالبا، والمشاعر السلبية بشكل معتدل ومنضبط.
للمزيد من مقالات علم النفس تابعوني في صفحة الفيسبوك أو اقرأوا باقي مقالات المدونة.
بسمة سعد
أخصائية نفسية علاجية
تماماً إظهار الغضب و عدم الرضى تجاه الطفل مطلوب و ضروري ، و بعض الأهالي يظنون أن تراخيهم و إهمالهم لطفلهم و تركه يسرح على هواه .. يظنون ذلك دلالاً ، و لا يعلمون أنه من الداخل بحاجة إلى نظرة عتب أحياناً كي يقلع عن فعله هو ذاته غير راضٍ عنه .
تحياتي .. و تمنياتي القلبية ألا تتمّ سرقة المقال كالعادة .
إعجابإعجاب