مميزات صحية للنفس البشرية

مصطلحات في علم النفس التحليلي تصف مميزات صحية للنفس البشرية:
1. القدرة على إحتمال التناقض والحفاظ على موقع متردد لفترة معينة (Ambivalence)، فيها لا يتم القرار أو الإختيار. في مواقف أخرى يتم تقبل عدم وضوح الموقف والتعايش مع عدم وضوحه.
مثلا، وفاء تحب زوجها جدا. هي تشعر أنه رجل طيب ويعمل بكد. لكنه يغضبها جدا أحيانا. في لحظات الغضب تحافظ وفاء على حالة من التناقض التي فيها تحب زوجها وتغضب منه في آن واحد، فلا الحب لزوجها يكبت ويمنع غضبها عليه، ولا الغضب على زوجها يمحو حبها له. قدرة وفاء على احتمال التناقض في مشاعرها هي دلالة على الصحة النفسية، ومن المعروف أن هذه القدرة لا يملكونها من يعانون من إضطراب الشخصية الحدودية الذين يستطيعون البقاء في نوع واحد من المشاعر في كل حالة.

2. المرونة وعدم التصلب في الرأي والقرار (Flexibility)، مع القدرة على تغيير الرأي والأفكار إذا ما اثبت الواقع عدم دقتهم.
مثلا، ليلى تملك رأيا صريحا في ما يتعلق بموضوع سياسي. حين كانت تناقش صديقتها اكتشفت من خلال النقاش معلومات جديدة عن الموضوع تكاد تثبت أن رأيها غير دقيق، بينما رأي صديقتها واقعي أكثر. على ليلى في تلك الحالة أن تكون مرنة وتتقبل عدة أمور في آن واحد:
– أنها لا تعرف كل شيء، ومن الطبيعي أن تكون معلومات جديدة لا تعرفها.
– أن اعترافها بصحة رأي صديقتها أكثر من رأيها لا يجعل منها فاشلة أو عاجزة، لأن هذا يعد تعميم غير دقيق.
– أنها تملك قدرة على التغيير والنضوج، وليس التصلب في مكان واحد بسبب مزايا نرجسية في شخصيتها.

3. معرفة أن الأمور معقدة وغير أحادية البعد (Complication)، والقدرة على النظر للموضوع بجميع أبعاده دون إنكار أو إهمال أو الخوف من أي بعد.
مثلا، موضوع احترام من هو أكبر منك سنا، الموجود بقوة في الثقافة العربية (أو موضوع الإحترام المطلق لرجال الدين). هل هناك ما يؤكد بالفعل أن الشخص الأكبر سنا هو الشخص الأعلم وصاحب الرأي الأفضل؟ قد تكون معرفته وتجربته في الحياة قد زودته بالقدرة على رؤية الأمور بوضوح أكبر، لكن أليس الشباب هم من يحملون أكثر راية العلم الحديث والتطور الفكري؟ قد نريد أن نحافظ على بعض العادات التقليدية لمجتمعنا التكتلي المترابط، لما في هذا من تمثيل لثقافتنا وهويتنا، لكن قد نريد أيضا أن نعطي الفرد فسحة أكبر في للتعبير عن رأيه واختيار ما يناسبه حتى لو كان عكس التيار. لكي نستطيع التفكير في هذا الموضوع علينا أن ننظر إليه بجميع تعقيداته والإعتراف بوجود هذه التعقيدات، دون أن نقفل مجال الحوار بحل أحادي البعد، الذي يمكنه أن يسهل الأمور على المستوى الحياتي، لكن له ثمنا نفسيا من المشاعر المكبوتة والمؤذية.  

4. القدرة على الدمج بين التناقضات واحتمال وجودها في كيان/شخص واحد (Integration).
مثلا، فادي لديه صديق عنيد ومتسلط في أحيان كثيرة. فهو لا يستطيع تغيير رأيه ودائما يأخذ دور القيادة والقرار بين مجموعة أصدقاء. لكن فادي يثق بصديقه هذا ويقدره جدا، لأنه يجده إلى جانبه بسرعة وبدون شروط كل ما احتاج مساعدة. صديق فادي هو شخص مع صفات مختلفة، وفادي يحبه  وينظر إليه كشخص متكامل وليس كصفات  منفردة.

5. القدرة على إحتواء المشاعر السلبية لدى الذات والآخر (Containment)، والحفاظ على الهدوء وقابلية التفكير، دون التصرف بإنفعالية وفقدان الأعصاب.
مثلا، فاتنة لديها طفل عمره 5 سنوات. في بعض الأحيان طفلها يرفض الإلتزام بقوانين البيت ويبدأ بالصراخ والبكاء والركل. في تلك اللحظات فاتنة تشعر بضيق شديد، وبمزيج من مشاعر الغضب وخيبة الأمل والعجز. على فاتنة أن “تحتوي” مشاعرها الخاصة ومشاعر طفلها (التي تكون مشاعر متشابهة ومطابقة بسبب عملية الإسقاط والتماثل) وأن تحافظ على هدوئها ورباطة جأشها فيما تحاول تهدئة طفلها. إحتواء فاتنة لمشاعرها الخاصة ومشاعر طفلها هو عملية بالغة الأهمية من أجل تطوره، لأنها بالإضافة إلى تكوين روابط عاطفية سليمة مع الآخر، تجعله أيضا قادرا على إحتواء مشاعره الذاتية واكتساب قدرة ضبطها.

6. “القدرة على البقاء وحيدا” (Capacity to be alone) هو مصطلح للمحلل النفسي دونالد وينيكوت  يصف فيه قدرة الانسان على احتمال وحدته لفترات معينة، كما يصف قدرة الانسان على الانفرادية في وجود الآخر. يقول وينيكوت أن القدرة على البقاء وحيدا هي ظاهرة متطورة جدا، التي تتعلق بالنضوج العاطفي. هذه القدرة لا تعني تفضيل البقاء وحيدا على بناء علاقات عاطفية وإجتماعية، لكنها تعني القدرة على احتمال العزلة التي تفرض أحيانا على الإنسان، وجعلها وقت يقضيه الإنسان مع ذاته، ويمكن أن يستغله لتطوير ذاته ومواهبه.
مثلا، أحلام هي امرأة في منتصف العشرينات من العمر، تحاول بناء حياتها وتطوير ذاتها. هي شخص موهوب ويملك طاقات وقدرات كثيرة، لكنها تشعر بالقلق والمعاناة اذا ما بقيت لوحدها. هي تحتاج دائما لشخص ما بقربها، واقعيا في الغرفة، أو على الهاتف، أو في علاقة عاطفية. هذا الأمر يجعل الآخرين يشعرون أن أحلام متطلبة جدا عاطفيا، مما يعرضها لكثير من النبذ والرفض. أحلام أصبحت تنتقل من علاقة عاطفية لأخرى دون أن تعطي نفسها الوقت لتشفى وتنضج وتستقي العبر من العلاقة السابقة. هي تعاني من فترات من الإكتئاب، مليئة بالقلق والمعاناة النفسية.

*ملاحظة: الأشخاص في ما كتب سابقا هم مجرد أسماء، لا وجود واقعي لهم، وضعتهم فقط لوصف حالة نفسية.

للمزيد من مقالات في علم النفس تابعوني في صفحة الفيسبوك.

بسمة