لا يوجد طفل لا يتعرض لأي إصابة في حياته. الإصابات تختلف وهي تتراوح بين كدمات بسيطة و إصابات تحتاج علاجا في المستشفى. بيتر لافين، في كتابه “إيقاظ النمر” (Waking the Tiger)، يناقش تكوين الصدمة وإضطراب ما بعد الصدمة عند البشر. حسب رأيه الحيوانات خلافا عن الإنسان لا تعاني من الصدمة وإضطراب ما بعد الصدمة، وذلك لأنها تحرر جسدها من ما يسميه لافين “طاقة الصدمة”. هو يرى أن الإنسان يفصل جسده تماما عن الصدمة، ويحاول معالجتها ذهنيا فقط. نتيجة هذا حسب رأيه هو أن الصدمة تصبح “مكبوتة” داخل الجسد، مما يؤدي إلى ظهور عوارض جسدية لاحقا، مثل نوبات الهلع التي يشعر فيها الشخص بالإختناق وبما يشبه أزمات قلبية. لافين يرى أن معالجة الصدمة يجب أن تتعرض ليس فقط للأفكار والمشاعر، بل لإسترجاع الطريقة التي شعر بها الجسد خلال الصدمة. بالإضافة إلى ذلك، هو يرى أنه من الممكن منع عوارض ما بعد الصدمة إذا تم -في اللحظات القريبة بعد الحادث- الكلام مع الشخص عن إحساسه على المستوى العاطفي والجسدي . بمساعدة أفكار لافين أقدم لكم طريقة للتعامل مع الطفل بعد تعرضه لإصابة.
1. يرتكب بعض الأهل خطأ جسيما حين يحاولون إنهاء الموضوع بسرعة أو حين يتجاهلون بكاء الطفل ظنا منهم ان هذا سوف يجعله يتماسك ويستعيد هدوءه بشكل أسرع. اذا بكى الطفل فهذا يستوجب انتباه واهتمام أهله، الذين يجب أن يتوجهوا إليه ويعبرون عن اهتمامهم بما حصل.
إنّ تجاهل ألم الطفل يجعله يكبر ليرى نفسه وحيدا في هذا العالم ولا مكان لأي تعاطف من الآخر تجاه ألمه.
2. الطفل سوف يبكي ويصرخ ويعبر عن ألمه، وهذا أمر طبيعي جدا. لا تحاولوا إسكاته أو منعه من البكاء. حافظوا على رباطة جأشكم وقوة تحملكم، وفي الوقت الذي تعالجون فيه جراحه أو تقومون بمعاينة إصابته قوموا بملاطفته واستمروا بالقول : إنكم سوف تساعدونه وإنه سوف يكون بخير. مجددا لا تحاولوا الإسراع في إنهاء الموضوع. مثلا، اذا وقع الطفل عن دراجته لا تضعوه بسرعة مجددا على تلك الدراجة كأن شيئا لم يكن. الطفل يحتاج لبعض الوقت بعد الإصابة كي يسترجع ذاته ويقوم بالتحرر من آثار الصدمة.
3. بعد أن يهدأ الطفل قليلا قوموا بسؤاله عن مكان الألم، ونوعه، ودعوه يصف الألم بأكبر كمية من الأوصاف الممكنة. قولوا للطفل : إنكم حين كنتم أطفالا أُصبتم أيضا بحوادث كهذه، وكان الأمر مؤلما لكن تحسنتم بعد ذلك وأنتم اليوم بخير. قولكم هذا يجعل الطفل يشعر أنه عاديّ وطبيعيّ ويحرره من الشعور بالذنب. الطفل يعلم مدى صعوبة وقع اذيته على أهله، ولهذا يشعر بالذنب بعد كل إصابة، بل وأحيانا يحاول التظاهر أن كل شيء بخير ويكبت صدمته في داخله.
4. إذا احتاجت الإصابة للتدخل الطبي اشرحوا للطفل أنكم سوف تأخذونه للطبيب او للمستشفى، وإذا بكى أو اعترض لا تفقدوا هدوءكم، فهو خائف وهذه ردة فعل طبيعية. أحيانا يستمر الطفل بالصراخ ومعارضة اي تدخل طبي، لهذا يلجأ الأطباء لإمساكه بقوة ومعالجته رغما عنه. هذا الأمر غير محبذ نفسيا، ويفضل -إذا أمكن الأمر من ناحية طبية- الانتظار إلى حين يهدأ الطفل.
5. بعد مرور بعض الوقت (ساعات أو حتى أيام) وعندما يهدأ الطفل، يفضل أن يتم الحديث معه عن الإصابة. كيف أصيب؟ ماذا حصل بالضبط؟ ماذا فكر؟ ماذا شعر؟ من المفضل استرجاع كل لحظة مع الطفل وكأنكم تقومون بتصويرها لحظة تلو الأخرى. طبعا يجب أن تكونوا أمامه مشجعين ومتقبلين ومتعاطفين، دون لومه أو تذنيبه.
6. إذا لاحظتم بتغيير في تصرفات الطفل ووضعه النفسي استمر لأكثر من شهر، يفضل التوجه للإرشاد النفسي للبحث في طرق تساعده في الرجوع الى المسار التطوري السليم.
المصدر:
Levine, P. A. (1997). Waking the tiger: Healing trauma : the innate capacity to transform overwhelming experiences. Berkeley, Calif: North Atlantic Books.
للمزيد من المقالات في علم النفس تابعوني في صفحة الفيسبوك.
بسمة
أخصائية نفسية
مناقشة
لا توجد تعليقات حتى الآن.