أنت تقرأ...
أنا ونفسي

الألم والسعادة وتحقيق الذات حسب فلسفة فريدريش نيتشه

نيتشه هو فيلسوف وشاعر ألماني. كان من أبرز الممهّدين لعلم النفس وكتب نصوصاً وكتباً نقدية حول المبادئ الأخلاقية والنفعية والفلسفة المعاصرة المادية والمثالية الألمانية. نيتشه يُعدّ من بين الفلاسفة الأكثر شيوعاً وتداولاً بين القراء.

حسب فلسفة نيتشه لا يمكن النضوج وتحقيق الذات بدون جرعات من الألم والمعاناة. بل وأكثر من ذلك، المصدر الأكبر لسعادتنا يقطن قريبا جدا من مصدر أعظم آلامنا. يقول نيتشه أنه لا أحد يستطيع الوصول لدرجة رائعة من الابداع والانتاج بدون التجربة، ولا أن يصبح عاشقا ناجحا ولا أن يصل الى تحقيق ذاته من المحاولة الأولى. المسافة بين النجاح والفشل، وبين من نحن اليوم ومن نريد أن نكون في المستقبل، يملؤها الألم والقلق والحسد والإهانة. نحن نعاني لأننا لا نستطيع تحقيق ذواتنا بشكل عفوي وسريع. نيتشه حارب فكرة أن النجاح وتحقيق الذات يأتون بسرعة وسلاسة. هو رأى بهذه الفكرة أنها محبطة ومدمرة، لأنها تقود الانسان الى الانسحاب بشكل مبكر من التحديات، التي كان يمكنه أن يتخطاها لو كان يرى الصعوبات على أنها جزء هام وطبيعي في كل ما هو قيم.

في كتابه “العلم المرح” من سنة 1882 قال نيتشه ان المتعة والألم مرتبطان بقوة معا، ومن يريد أكبر كمية ممكنة من المتعة عليه أن يقبل بكمية تساويها من الألم. نيتشه اعتقد أن لكل انسان متاح الخيار: إما يختار أقل قدر ممكن من المعاناة وبالتالي يستغني عن قدر من النضوج وتحقيق الذات، أو يختار احتضان معاناته على أكبر قدر، وبالتالي يحصل ليس فقط على كمية أكبر من النضوح وتحقيق الذات، بل على ملذات خفية نادرا ما يشعر بها من استنكر معاناته. يقول نيتشه، اذا قررت تقليل درجة الألم البشري، فأنت أيضا تقلل قدرتهم على الشعور بالمتعة والسعادة. بالنسبة لنيتشه اختيار المعاناة هو عدم الخوف من الصعاب ومواجهتها وتقبل جرعة المعاناة التي تأتي معها، وذلك بدل الهروب وعدم مواجهة الصعاب وبالتالي التمتع بحياة خالية من المعاناة.

زيغموند فرويد تأثر جدا بفلسفة نيتشه، وكانت هذه الفلسفة محفزا له في آراءه في النفس البشرية. تماما مثل نيتشه اعتقد فرويد أنه لا يمكن الهرب من المعاناة. ليس هذا فقط بل اعتبرها جزءا يملك حيزا في بناء النفس البشرية ولا يمكن الغاءه. سنة 1930 في أطروحة “ما فوق مبدأ اللذه” يتحدث فرويد عن “غريزة الحياة” بما فيها من بحث دائم عن المتعة واللذة والامتناع عن المعاناة، و”غريزة الموت” بما فيها من نزعة لتدمير الذات والحفاظ على ما يسبب المعاناة كنوع من “إعادة قهرية” للألم والصدمة. فرويد رأى النفس البشرية كصراع دائم بين الغريزتين، المتواجدتين دائما وأبدا معا، وأي انتصار لأحدى الغريزتين معناه الإنهيار النفسي والموت.

يبدو أنه بسبب قدرته الكبيرة على الوعي الذاتي فهم نيتشه طبيعة المعاناة وكونها جزءا لا يتجزأ من النفس البشرية، ورأى أنه وضع ال”لا معاناة” مساوي لوضع ال”لا حياة”. بالتالي، حذر نيتشه من الحفاظ على بحث دائم عن المتعة من خلال رفض الكفاح والمعاناة والبقاء مسجونين في غرف مغلقة، كما حذر من الاستسلام أمام “غريزة الموت” التي تحافظ على وضع الركود والاحباط والاكتئاب. يبدو انه لهذا السبب قال فرويد: “لنيتشه كانت معرفة ثاقبة عن ذاته أكثر من أي شخص تواجد أو سوف يتواجد في المستقبل”.

image

لتنزيل كتاب نيتشه “العلم المرح”:
http://bit.ly/1QwbPp3
لتنزيل كتاب فرويد “ما فوق مبدأ اللذة”:
http://bit.ly/1LODVKi

للمزيد من المقالات في علم النفس تابعوني في صفحة الفيسبوك.

بسمة
أخصائية نفسية

About Basma Saad

Clinical psychologist and artist

مناقشة

لا توجد تعليقات حتى الآن.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

اضغط هنا لكي تتسجل للموقع وتحصل على المقالات الجديده مباشرةً لبريدك الالكتروني

انضم مع 91 مشترك

مرحباً

هنا في مدونتي الخاصة أكتب عن الصحة النفسية، ما يدعمها وما يعيقها. أحيانا أكتب من وجهة نظر مهنية، وفي أحيان أخرى أشارك في أفكار واراء شخصية. أعتبر مدونتي مساحتي الخاصة التي تمنحني كامل الحرية الفكرية. اسمي بسمة، وأنا أخصائية نفسية علاجية مع خبرة سنوات طويلة في التشخيص والعلاج النفسي. بالاضافة الى ذلك يشغل الفن والرسم حيزا كبيرا في عالمي النفسي والفكري، وأنا أرسم في الألوان المائية.
%d مدونون معجبون بهذه: