أنت تقرأ...
كتب وروايات

نقد لكتاب أحلام مستغانمي “نسيان.com”

لتوضيح الفكرة أود أن أبدأ ببعض الاقتباسات من الكتاب:

“إذا لم يكن للأدب في حياتنا دور المرشد العاطفي من يتولاه إذا؟”.

“أيتها العاشقات الساذجات، الطيبات، الغبيات.. ضعن هذا القول نصب أعينكن: “ويل لخل لم يرى في خله عدوا”. ليشهد الأدب أني بلغت”.

“أما الرجال الحقيقيون فأعتذر لهم. أحب إثم ذكائهم. فأنا واثقة أنهم سينجحون في رشوة النساء بما يملكون من وسائل “رجالية” لن تصمد أمام إغراءاتها امرأة”.

“ايتها الحمقاء.. الحياة تنتظرك وأنت تنتظرينه، السعادة تشتهيك وأنت تشتهينه. الحب يحبك وأنت تحبينه. لأنه آلمك”.

“هل أنت واثقة أن على الطرف الآخر ثمة عاشق ولهان قادم من العصور الغابرة..يبكيك ويخلص لغيابك؟ كفى بربك حماقة!”.

“في الحب لا تفرطي في شيء، بل كوني مفرطة في كل شيء. اذهبي في كل حالة الى أقصاها. في التطرف تكمن قوتك ويخلد أثرك. ان اعتدلت اصبحت امرأة عادية يمكن نسيانها واستبدالها. لا تحبي…اعشقي. لا تعقلي.. افقدي عقلك. لا تقيمي في قلبه.. تفشي فيه. لا تكوني امامه… بل خلفه. تقمصي كل امرأة لها قرابة به وكل انثى يمكن أن يحتاج اليها وكل شيء يمكن أن يلمسه… كوني ابنته وشغالته وقطته ومسبحته وصابون استحمامه ومناشفه ومقود سيارته وحزام أمانه ومصعد بنايته… كوني عباءة بيته… سجاد صلاته.كوني أريكة جلوسه ومسند راحته وشاشته. كوني بيته. كوني المرأة التي لم يرى قبلها امرأة ولن تأتي بعدها… بل مجرد اناث!”.

شعرت من خلال قراءة بعض اجزاء الكتاب أن احلام مستغانمي لا تكف عن وضع المرأة في مكان الضحية ووضع الرجل في مكان الجاني. دراسات علم النفس للعلاقات بين الجنسين توضح مدى خطورة موقف احلام المتقطب، وعدم صحته على أرض الواقع.

جيسيكا بينجامين، أخصائية التحليل النفسي الرائدة في دراسات الفيمينيزم، كتبت عن موضوع السيطرة في العلاقة بين الجنسين من وجهة نظر مدرسة التحليل النفسي في كتابها “روابط الحب” (The Bonds of love). جيسيكا توضح في كتابها أنه في اعماق نفسها تضع احيانا المرأة نفسها في موقع “مازوخي” وهذا الموقع لا يفرض دائما عليها كما هو شائع في النظرة العامة للموضوع. تربط جيسيكا اختيار تلك المرأة لهذا الموقع في التركيبة النفسية المعقدة لنشأتها كأنثى، التي تتشوش في مكان ما لتدفعها لاختيار المازوخية كي تحصل على الاعتراف بوجودها (recognition)، لانها ان لم تفعل هذا فسوف لا تكون موجودة نفسيا- الامر يكون كما انه على هذا النحو: “أنت تعذبني اذا أنا موجودة بالنسبة لك وأنت تحتاجني كي تعذبني، اذا انا مهمة بالنسبة لك وهناك من يهتم بوجودي” .  ترى بينجامين أنه مقابل كل امرأة “مازوخية” هنالك رجل “سادي” يتلذذ بوضع نفسه في مكان “القادر على كل شيء” (omnipotent). المرأة المازوخية وعن طريق موقفها المازوخي تزود الرجل السادي بهذا الاحساس عن طريق الخضوع له بشكل تام وهي تستمد “اللذة” من ما تراه على أنه عنفوان ورجولة عند الرجل القوي الذي “يحبها” و”يحميها”. في هذا المكان تستمد المرأة المازوخية قوتها من قوة الرجل السادي وهي تعتبر نفسها وقودا لساديته. ترى جيسيكا بينجامين أن مستقبل علاقة كهذه غير مبشر بالخير، وهي سوف تنتهي بدمار نفسي للطرفين. قد يبدو للوهلة الاولى أن أحلام تساعد النساء حين تدعوهن للانتفاض من موقعهن المازوخي، والخروج من علاقة مع رجل يسيء اليهن. لكن طريقة احلام قائمة على “شيطنة” ذلك الرجل وترسيخ المرأة في موقع الضحية الذي يمنعها من ادراك مسؤوليتها وما يدور في داخلها، وبالتالي يحافظ على موقعها الضعيف كإمرأة التي هي مجرد “ضحية رجل”.

جيسيكا بينجامين ترى انه كي تتطور المرأة لمكانة صحية وناضجة عليها ان لا ترى نفسها كضحية وان تمتلك مجددا قدرتها على ادراك ما يدور في داخلها وتتحمل مسؤولية افكارها ورغباتها وغرائزها. في هذا الموقع الناضج لن تسقط المرأة “الشر والعنف” على الرجل، وسوف تكون قادرة على ادراك “الشر والعنف” اللذان يقبعان في داخلها ايضا. هكذا ستكون المرأة في مكانة فعالة وقادرة على التأثير على مجرى حياتها وحياة من حولها. النظرة المتقطبة ورؤية النساء كضحايا فقط والرجال كمسيئين فقط هي نظرة غير ناضجة، لانه لا يمكن الغاء مسؤولية المرأة (الام) في تربية ذلك الرجل المسيء، كما لا يمكن  الغاء مسؤولية الرجل (الأب) في تربية تلك الانثى الضحية.

احلام مستغانمي تسيء للمرأة وللنساء حين تضعهم في موقع الضحية الدائم، ولا أعتقد أن هذا يساهم في نضوجهن وتحررهن. يجب على كل امرأة ان تنظر الى اعماق ذاتها، وأن تتعامل مع نفسها على انها صاحبة الملكية على ما يحصل معها وفي داخلها. ان فشلت العلاقة العاطفية، يجب ان تدرك المرأة جزءها من مسؤولية الفشل، وليس اسقاطه تماما على الرجل. اما ان اسقطت المسؤولية كاملة على الرجل فسوف تكون امرأة غائبة عن ذاتها لا تتحمل مسؤولية حياتها بشكل ناضج. عليها أن تبحث في أعماقها عن السبب الصادق والمؤلم الذي يجعلها تعرض نفسها للأذى، وهو سبب شخصي يختلف من امرأة الى أخرى.

أعتقد أنه من مكاني كأخصائية نفسية اود أن أوجه التقدير لأحلام مستغانمي على رغبتها بمساعدة النساء، لكني لا أرى بهذا الكتاب أكثر من جرعة تخديرية لا يساهم في نضوج قارئته أو تحسنها على المدى البعيد. النسيان بالفعل ليس سهلا، والتحسن بعد انتهاء علاقة عند المرأة والرجل على حد سواء (هو ايضا يتألم) لا يأتي من مجرد نسيان، بل مما يسمى “grieving process” وهو فترة مما يشبه “الحداد” تقوم فيه النفس بإستخلاص العبر عن ذاتها وبالتطور. القاء اللوم على الطرف الاخر لا يساهم بالنضوج ولا بتكوين علاقات صحية مستقبلا. لفهم ما يدور في داخلنا في تلك اللحظات المؤلمة أدعوكم لقراءة هذ الشرح عن الفراق والحداد والألم عند الفقدان. 

مرجع لكتاب جيسيكا بينجامين الذي أنصح جدا به، (يمكنكم قراءة بغض من أفكاره ايضا في مقال السيطرة والإستقلالية والاعتراف المتبادل):
Benjamin, J. (1988). The bonds of love: Psychoanalysis, feminism and the problem of domination. New York: Pantheon.

بسمة

أخصائية نفسية

نقد لكتاب أحلام مستغانمي

نقد لكتاب أحلام مستغانمي “نسيان”

About Basma Saad

Clinical psychologist and artist

مناقشة

رأيان حول “نقد لكتاب أحلام مستغانمي “نسيان.com”

  1. http://www.aeflwomen.com/ar/ جمعية الحقوقيات المصريات تقدم الشكر لصاحب الموضوع

    إعجاب

    Posted by aeflwomen | 2015/11/18, 11:45 مساءً
  2. أنا استغرب فعلاً اندفاع الناس حول كاتبة ركيكة اللغة وضعيفة الاسلوب ومحدودة الأفق كهذه الامرأة
    لم استطع ان اكمل ربع الكتاب لشدة بساطة لغته وتوجهه الى الفئة المعدومة الثقافة في مجتمعنا.. يكفي ان تستطيع تفكيك الكلمة حتى تقرأ كتاباً لأحلام ولا تحتاج المرأة ان تحمل عقلاً أكبر من 15 عاماً كي تشعر ان الكلام مقنع وجميل
    فعلاً استغربت من الجهة التي قرات الكتاب وطبعته على انه كتاب! هذا العمل لا يعدو كونه تجارة سخيفة لأفكار تشجعها النسوة المريضات والمعقدات اللاتي لم يصل مستواهن التعليمي لأكثر من المرحلة الابتدائية
    فعلا ضيعة بعض الوقت من حياتي في قراءة هذه التفاهة

    إعجاب

    Posted by رنا | 2018/04/04, 8:26 صباحًا

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

اضغط هنا لكي تتسجل للموقع وتحصل على المقالات الجديده مباشرةً لبريدك الالكتروني

انضم مع 91 مشترك

مرحباً

هنا في مدونتي الخاصة أكتب عن الصحة النفسية، ما يدعمها وما يعيقها. أحيانا أكتب من وجهة نظر مهنية، وفي أحيان أخرى أشارك في أفكار واراء شخصية. أعتبر مدونتي مساحتي الخاصة التي تمنحني كامل الحرية الفكرية. اسمي بسمة، وأنا أخصائية نفسية علاجية مع خبرة سنوات طويلة في التشخيص والعلاج النفسي. بالاضافة الى ذلك يشغل الفن والرسم حيزا كبيرا في عالمي النفسي والفكري، وأنا أرسم في الألوان المائية.
%d مدونون معجبون بهذه: