هذه قصة ثلاث نساء جمع بينهن ذات القدر..
لن تكون هذه قصة رومانسية مع نهاية سعيدة، القصة انتهت ولم تكن النهاية سعيدة، لكنها لا زالت تنبض في ثنايا النفس لترسل ومضات من “الضربات الكهربائية” المؤلمة الموجهة للأعماق، لينتج عنها خليط من الحيرة والندم والشعور بالذنب.
نفس القصة، مع إختلاف في تفاصيل واقعية كالزمان والمكان والأشخاص، حدثت في حياة ثلاث نساء في أوائل العشرين من العمر. لقد كن فتيات مثقفات وجميلات وحساسات جداً، يميزهن الخجل والهدوء. هذه القصة كانت تجربتهن الأولى في الحب، ومن المحتمل أن سذاجتهن كان لها التأثير الكبير على ما حصل لاحقاً.
الأولى قرر حبيبها الإختفاء من حياتها. بعد مرور عدة أشهر كانت له تجارب قليلة بالعودة صدتها هي لأنها فقدت الثقة كلياً بإستمرارية العلاقة، ومحاولةً منها حماية نفسها من الألم القادم الذي كانت على يقين انه سوف يسببه لها. رسالته الأخيرة لها أتت بعد نصف سنة من الإنقطاع المطلق، ليخبرها أنه إرتبط بإمرأة أخرى، لكنه فعل هذا بسبب “الضغط ” الذي تعرض له، وأنه لا زال يحبها.
الثانية تركها حبيبها بشكل مفاجئ وقاسٍ بعد إرتباط دام لثلاث سنوات، ليرتبط بعد فترة وجيزة جداً بإمرأة أخرى ويتزوجها بعد عدة أشهر. لمدة سنة ونصف لم ينظر للخلف وتركها تتخبط بين اسئلة كثيرة ومشاعر عاصفة هزت كيانها، لكنه عاد الأن، كرجل متزوج من إمرأة أخرى ليحاول أن يتواصل معها.
الثالثة تركها حبيبها بشكل مفاجئ في دوامة من البلبلة والألم. بعد فترة وجيزة يتصل بها صديقه المرتبط، الذي يعرفها من لقاءاتهم “الرباعية” التي تعرفت بها على خطيبته الجميلة واللطيفة. هذا الشخص حاول أن يستعمل الكلام المعسول ليصف اعجابه بجمالها، وحين صدته وذكرت ارتباطه قال لها أنه يعتبر نفسه “بعلاقة مفتوحة” مع خطيبته.
من الجدير بالذكر أنه خلال أشهر من الألم وخيبة الأمل، رأت كل من النساء الثلاث عبر مواقع التواصل الإجتماعي الحياة “المثالية” التي يحياها كل من الرجال الثلاثة، من خلال الصور الرومانسية والسعيدة، التي ليس فيها أدنى ذكر لما كان في السابق، وليس فيها ذرة شك في سعادة الأشخاص وقدر الحب بينهم.
ما حصل مع هذه النساء يترك اسئلة عالقة، لربما من الصعب جداً الإجابة عليها. لكن لا بد من طرح الأسئلة ومن محاولة فهم ما حصل من جميع أوجهه.
النقطة الأولى ستكون حساب نفس للنساء الثلاث. ما الذي حصل في هذه العلاقات؟ أليس لعدم نضوجهن أي تأثير على ما ألت إليه الأمور؟ لقد حلمن بالحب ألمثالي وتخلين عن قدر كبير من أنفسهن من أجل سعادة شريكهن. لقد ساهمن ببناء علاقةٍ مع قدر كبير من التعلق وعدم الإنفرادية فقدوا بها قدرتهن على حماية أنفسهن وأصبحن في نظر الحبيب “مفهومات ضمناً”. هل من الصائب أن نحب شخصاً على حساب حبنا لنفسنا؟ هل الحب الكبير وغير المشروط الذي به تقبل تام للأخر قد يكون سبباً لاخافته وإبعاده؟ هل هذا لأن ما يقترب للمثالية هو غير واقعي ويحتاج “جهود صيانة” كبيرة؟
النقطة الثانية ستكون حساب نفس للرجال الثلاثة. قد يكون لديهم اسبابهم في قطع العلاقة بهذا الشكل، وبعض هذه الأسباب قد يكون مقنعاً جداً. لكن لماذا سمحوا لأنفسهم بالعودة بعد أن إستمروا في حياتهم وادخلوا إليها نساء جديدات قد لا يكن على علم بما حصل سابقاً، ولسن مذنبات في تدمير العلاقة السابقة، وبالتالي لهن كل ألحق بعلاقة تعطيهن كامل الحب والوفاء. ألم يفكروا في تأثير عودتهم على حياة من تركوا شبه محطمات، دون إجابات ودون إقفال للدائرة. هل ما يبحثون عنه الأن هو إقفال لهذه الدائرة التي تذكروا وجودها بعد أن هدأت إنفعالات الحب الجديد ودخل مجاله الواقعي؟ هل إشتعل فجأة بداخلهم حنين لذلك المكان الدافئ الذي أحبتهم به تلك الفتاة الساذجة بتلك الطريقة غير المشروطة؟
النقطة الثالثة تتعلق بمقاييس الحب والوفاء الجديدة التي انتجها “العالم الإفتراضي” الذي اصبحنا جميعاً جزءًا منه. لماذا فقد الحب خصوصيته وحميميته؟ لماذا أصبح كمنتوج يعرض خلف واجهات العرض، التي كلن يعرض فيها “أجمل” ما عنده؟ هذه القصص الثلاث قد اظهرت أنه أحياناً واجهات العرض غير المحسوسة وغير الملموسة قد تعرض منتوجاً “مغشوشاً” قيمته لا تتعدى جمال مظهره. أليس هذا مخيفاً بعد الشيء؟ هل سنتمكن من بناء علاقات ذات جوهر حميمي أم سنشغل أنفسنا بهوس “التوثيق البصري” لعلاقة جميلة جداً لكن غير حقيقية؟
تبقى مسائل القلب من أكثر المسائل تعقيداً، ومهما حاولنا إدخال المنطق إليها فلن نستطيع فهمها. الألم العاطفي هو من أنجع الوسائل للوصول للنضوج، بشرط أن نسمح لأنفسنا بالتخبط داخل الدوامات والعواصف التي ستهز كياننا. علينا أن نتذكر أن الأخر في حياتنا قد يكون مرأةً لأنفسنا، نرى فيها أجمل ما فينا وأسوأ ما فينا. قد تختلف القصص وقد تتشابه، وقد تدخلنا في مفترقات طرق يتوجب علينا أن نقرر بها كيف نتصرف بحق الأشخاص الذين وضعهم المفترق امامنا. القرارات قد تكون معقدة ومن الصعب تصنيفها ل”صحيح وخاطئ”، لكنها من دون شك ناتجة من أخلاقياتنا واستيعابنا لماهية ألحق والضمير.
مناقشة
لا توجد تعليقات حتى الآن.