أنت تقرأ...
انا وولدي

الأم الجديدة- وضعها النفسي واحتياجاتها

حين يتضح لها بأنها حامل، تدخل الأم بتنظيم نفسي خاص يسمى “حالة الأمومة”. دانيال ستيرن، هو اخصائي نفسي وباحث في علم النفس التطوري قام بكتابة “يوميات طفل” و”ولادة أم”، وتحدث عن التغييرات النفسية لدى الأمهات أثناء الحمل والولادة وما بعدها.

حسب ما قاله ستيرن، كما يولد الطفل جسديا كذلك تولد الأم نفسيا. على الأم أن تبني لنفسها هوية جديدة كأم. ولادة الأم تتطور تدريجيا أثناء الحمل وبعد الولادة بأشهر عدة. المرأة تقوم بتطوير عقلية مختلفة عن ذي قبل. هذا يؤثر على جميع جوانب حياتها. بعد هذه التغييرات،تكون للأم عقلية جديدة ترافقها لسنوات. هذه العقلية الجديدة ليست دائما المهيمنة، وهي تضعف عندما تكون هناك مهام أخرى مثل العمل والدراسة. ومع ذلك، فإنها تظهر بقوة عندما يكون الطفل مريضا أو يحتاج للمساعدة.

الأم الجديدة وضعها النفسي واحتياجاتها

الأم الجديدة وضعها النفسي واحتياجاتها

تصبح المرأة أم في عملية تستمر عدة أشهر – منذ فترة الحمل حتى ما بعد الولادة – والتي تتسارع مع بداية االاعتناء بالطفل. خلال فترة الحمل والولادة يكون لدى النساء ثلاثة حوارات داخلية في وقت واحد:

1. حوار داخلي للمرأة مع والدتها: يكون لدى المرأة انشغال بانتقالها من كونها “ابنة ل” لكي تصبح “والدة ل” .. وجه التشابه بينها وبين والدتها يكبر، لذلك فإنه من الشائع أن العلاقة بين المرأة وأمها تبرز أكثر من المسائل الأخرى. إن قدرة الأم الهامة جداً على التعاطف المتفهم مع طفلها يتحدد بدرجة كبيرة من خلال خبراتها الباكرة عندما كانت هي نفسها رضيعاً. فالكيفية التي استجابت لها أمها، وتفهمتها وفهمتها وتقبلتها فيها، ووضعت حدودها، وشعرت بحبها تحدد إلى مدى بعيد كيف ستبدو الأمومة الذاتية. لفترة محددة بعد الولادة تصبح الجدة (أم الأم) أهم شخصية للأم الجديدة، لأنها تحتاج جداً دعمها وقربها. حين يتعذر وجود الجدة بجانب الأم الجديدة هنالك حاجة بأن تأخذ هذا الدور إمرأة أخرى قريبة عاطفياً من الأم الجديدة. إذا كان لدى الأم الجديدة علاقة جيدة مع أمها فانه من السهل عليها أن تتكئ على أمها وأن تأخذ المزيد من الطاقة منها. لكن، كلما كانت العلاقة صعبة وأكثر تعقيدا، تواجه المرأة أكثر صعوبة بتقبل حقيقة أنها أصبحت مثل والدتها. نتيجة لذلك، ربما سيكون هناك خلافات أو اختلافات بالرأي التي لربما ينتج عنها تقارب وبناء علاقة أفضل.

هذا الحوار يتطور على الصعيد الداخلي (في ذهن الأم) والخارجي (على أرض الواقع مع والدتها).

2. حوار للمرأة مع ذاتها: هي تسأل نفسها، “من أنا، ما أنا، وكيف يمكنني تحديد شخصيتي حتى يومنا هذا،” والآن مع هذا الدور الجديد، أي هو نوع من الأمهات سأكون، هل أرغب حقاً بأن أكون أم ، كيف يمكنني الجمع بين الأمومة والعمل .. “

3. حوار داخلي للأم مع الطفل: من هو هذا طفل حسب تخيلات الأم. هل سيكون لطيف، هل سأحبه، كيف سيكون في المستقبل، هل سيكون ابنا أم ابنة، من سيشبه؟

من هذه الحوارات الداخلية نرى أن ستيرن يتحدث عن 3 مواضيع مركزية:

1. ما يتعلق بالحياة: الأم تفكر بمواضيع عدة خلال فترة الحمل وبعد الولادة، تتعلق بكفاءتها وبقدرتها على الحفاظ على حياة طفلها. مثلاً، “هل سأنجح بأن أكون مسؤولة عن حياة الطفل، شخص قائم بحد ذاته؟”، “هل ستكون رغبة مشتركة بالرضاعة الطبيعية أم لا ؟ وإلى متى علي أن أرضع طفلي؟ إن لم استطع ارضاعه هل يعني هذا أني سأقصر بأمومتي تجاهه؟”.

2. ما يتعلق بالعلاقة: “هل سيحبني طفلي؟ هل سأحبه أنا؟ وهل ستكون علاقتنا جيدة؟”. هناك احتمال أن يحصل فقدان مؤقت للسيطرة على المشاعر (البكاء / الضحك)، لذلك فإنه من المهم في هذه المراحل من الحمل أن تحصل المرأه الحامل على دعم (ويفضل من أمهات لأنهن قد مررن بنفس التجربة من قبل).

3. ما يتعلق بالهوية الشخصية: “من سأكون الان بعد أن أصبحت أماً؟ هل سأنجح بتحقيق أحلامي ومخططاتي الذين رسمتهم قبل أن أصبح أماً؟ هل سأعود لجسدي القديم؟ هل سأبقى نفس الزوجه وما هي التغييرات التي ستحصل لعلاقتي الزوجية؟ هل سيكون لي مقدار من الحرية لأكون شخص منفرد بعد الأن؟”.

للبيئة القريبة من الأم الجديدة دور هام وكبير في دعمها وتعزيز ثقتها بأمومتها. من الضروري جداً الإمتناع عن توجيه الانتقاد أو التدخل المفرط في ما يتعلق بأمومة الأم الجديدة، لأنه في وضعها الحساس جسدياً وعاطفياً قد يكون لهذا تأثير شديد على وضعها النفسي. على البيئة القريبة أن تعمل معاً لإحتواء الأم وطفلها لكي يتمكنوا من بناء العلاقة التي ستؤثر على حياة كليهما على المدى البعيد.

كل أم تريد أن تكون أم جيدة لأولادها وترغب في السعادة معهم دائماً. الأمومة هي غريزة فطرية وقوية، لهذا فالأمهات يتمتعن بحس متطور لفهم الطفل وتلبية حاجاته. مع هذا، تشعر غالبية الأمهات بالذنب، وهن يعلمن أكثر من المختصين بماذا أخطأن مع أولادهن. لكن في المقابل هن يواجهن صعوبةً في رؤية ما يفعلنه بشكل جيد. لهذا تحتاج الأم لبيئة إيجابية تدعمها وتقويها. إنتقاد الأم لا يساعدها بل يفعل العكس.

كل أم تحكم على نفسها حسب ما تظنه وتخيلته الأمومة المثالية، ولكن هنالك نقاط معينة على كل أم أن تكون واعية لوجودها:

1. كأم جديدة، أغلب الظن أنك ستكونين مرهقة وأنك ستختبرين تغييرات مزاجية كثيرة تتراوح بين سعيدة جداً ومكتئبة جداً. يمكن أن تشعر الأم بالغضب والذنب وخيبات الأمل. هذه المشاعر ليست دلالةً على أنها “أم سيئة”، بل العكس هو الصحيح. اختبارها لهذه المشاعر يدل على أنها واعيةً لنفسها ولعمق تجربتها، وأنا تسمح لحبها لطفلها أن يغيرها ويعمق احساسها بنفسها.

2. توقعات الأم المسبقة قد لا تلائم ما تواجهه في الواقع. ما تراه الأم في الإعلانات ووسائل الإعلام قد يزرع بها فكرة أن الأمومة هي تجربة مثالية خالية من أي صعوبة، وكل لحظة فيها مليئة بالهدوء والفرح المطلق. الأمومة هي حقاً تجربة رائعة لا شبيه لها، لكنها لا تخلو من لحظاتٍ صعبة ومتعبة أو حتى مملة. قد تتفاجأ الأم من هذا الإكتشاف وتشعر بالذنب لشكها بإحتمال وجود خطأ ما بها أو بأمومتها.

3. وينيكوت هو طبيب أطفال بريطاني (1896-1971) عمل على تحليل العلاقة بين الوليد والأم، وقال أنه كأم مطلوب منك أن تكوني “أم جيدة بما فيه الكفاية” وليس “أم مثالية”. حسب ما قاله وينيكوت الاخفاق  الطبيعي بين الحين والاخر في علاقة الأم مع طفلها يساعده في بناء قدرته على احتمال النقص ويقوي قدرته على التأمل وتخيل ما هو أفضل، وهي قدرة ستكون هامة جداً له كشخص بالغ. لهذا على الأم أن تصبوا لفعل كل ما بوسعها من أجل طفلها، ولكن عليها أم تسامح نفسها على الاخفاقات الغير مقصوده.

4. الطفل الذي ولد يجعلك ترين العالم بشكل مختلف، وأن تكتشفي قدرات بنفسك لم تكوني واعية لوجودها (على سبيل المثال: قدرات عالية من الصبر والتحمل، كاحتمال عدد كبير من الساعات بدون راحة أو نوم، ورغم هذا كله الحفاظ على قدرات مثيره للأعجاب للابداع في تصميم لباس طفلك أو غرفته). هذه الفتره قد تكون فرصة للتعرف على اهتمامات جديده وصديقات جدد كاللواتي قابلتهن في الحديقة العامة أو عند طبيب الأطفال. باختصار، ليس فقط انت تلدين طفلك، بل هو يلدك من جديد!

تحياتي،

بسمة

أخصائية نفسية، متخصصة في علم النفس العلاجي

للمزيد من مواضيع الوالدية:

كيف نتكلم مع اطفالنا كي يصغوا الينا؟     

التناقضات  والصراعات في علاقة الأهل مع ابناءهم

إعادة السُلطة للأهل ووضع الحدود للأبناء

المصادر:

Stern, D. N. (1990). Diary of a Baby: What your child sees, feels, and experiences. New York: Basic Books.

Stern, D.N. & Bruschweiler-Stern, N. (1998) The birth of a mother; How the motherhood experience changes you forever. New York: Basic Books.

Stern, D. N. (1995). The motherhood constellation. A unified view of parent-infant psychotherapy. New York: Basic Books.

Winnicott, D. W. (1965a). The theory of parent-infant relationship. In The maturational process and the facilitating environment. London: Hogarth.

About Basma Saad

Clinical psychologist and artist

مناقشة

4 آراء حول “الأم الجديدة- وضعها النفسي واحتياجاتها

  1. كلام في الصميم كل الشكر لك دكتورة انا مقبلة على الامومة و قد استفدت كثيرا روعة

    إعجاب

    Posted by Fatima Tima | 2014/05/20, 8:22 مساءً
  2. شكراً ألك كتير مفيد!
    هل ممكن لو سمحتي المزيد عن الموضوع وعن وظيفة الزوج وقت الحمل، دوره, وكيفيه مساندته للزوجة
    i apologize for my poor arabic language, i hope i was clear
    thx a million

    إعجاب

    Posted by Servan Sh | 2014/06/30, 3:20 مساءً
  3. النقطة الثالثة ذات دلالة عميقة
    الأم الجيدة ليست هي الأم المثالية
    والإخفاقات بين الحين والآخر تكسب الأم والطفل على السواء خبرة تجعل منها مضادات لمشاكل مستقبلية متوقعة ..

    شكرا لك .

    إعجاب

    Posted by elie | 2015/03/20, 4:39 مساءً

أضف تعليق

اضغط هنا لكي تتسجل للموقع وتحصل على المقالات الجديده مباشرةً لبريدك الالكتروني

انضم مع 91 مشترك

مرحباً

هنا في مدونتي الخاصة أكتب عن الصحة النفسية، ما يدعمها وما يعيقها. أحيانا أكتب من وجهة نظر مهنية، وفي أحيان أخرى أشارك في أفكار واراء شخصية. أعتبر مدونتي مساحتي الخاصة التي تمنحني كامل الحرية الفكرية. اسمي بسمة، وأنا أخصائية نفسية علاجية مع خبرة سنوات طويلة في التشخيص والعلاج النفسي. بالاضافة الى ذلك يشغل الفن والرسم حيزا كبيرا في عالمي النفسي والفكري، وأنا أرسم في الألوان المائية.