“اتمنى أن لا نضطر يوماً أن نتنازل بسبب الخوف، وأن لا نخاف أن نتنازل” (جون كندي).
لحظةٌ صعبة هي تلك التي نقف بها أمام قرار به بعضاً من التنازل. في تلك اللحظة نحن على يقين بأن لن نحصل على ما نريد وعلينا أن نرضى بالتسوية وبحل الوسط. أحد أسس البلوغ النفسي هو أن يصل الإنسان إلى مرحلة بها يستطيع تقبل فكرة أنه لن يستطيع أن يحصل فوراً على كل ما يريد، وأن يستطيع مجابهة شعور خيبة الأمل الصعب وتحمل شعور النقص وعدم الرضى دون الإنهيار إلى علم الإكتئاب أو التلبية الفورية للرغبات. في هذه المرحلة تلعب قدرة الإنسان على التنازل دوراً هاماً ورئيسياً في حياته.
ما الذي يجعل قرار التنازل صعباً؟
حين يشعر الشخص بأنه يتنازل بسبب الخوف، وبأنه يرضى بالحل الوسط فقط لأنه خائف من مجابهة الصعوبات، فإنه يشعر بعدم الرضى عن نفسه لأنه في تصوره أصبح شخصاً ضعيفاً وعديم القدرات. ثقافتنا العربية تشجعنا على الصمود والمجابهة وعدم التنازل حتى في أصعب الظروف، وهي مبادئ صحيحة وقيمة بحد ذاتها. ولكن هذه المبادئ نفسها تجعلنا حين نقف أمام قرار التنازل أن نشعر بالذنب وبالضعف التي هي مشاعر صعبة نفضل أن لا نواجهها.
هل حقاً التنازل يعني الخوف؟
إذا فكرنا بما ذكر سابقاً عن البلوغ النفسي فإن الجواب لهذا السؤال واضحاً جداً. ليس بالضرورة التنازل يعد ضعفاً أو نابعاً من الخوف. في بعض الأحيان التنازل يعد قوةً تمكن الشخص من الإستمتاع بحياته حتى وإن لم تكن مثالية. أحياناً يعد التنازل قناعةً ورضًى بالبساطة المادية، لكن بالمقابل يحظى الشخص بالعمق الروحي.
الخوف من التنازل موجود لدينا جميعاً، لأن بقرار التنازل نخسر شيئاً ما. نحن ربما نخسر الحل الأمثل الذي لطالما سعينا إليه، وعلينا الأن أن نرضى بالتسوية. ذلك يضعنا في موقف صعب أمام أنفسنا وأمام الأخرين، موقفٌ قد نفسره أو قد نخاف من أن يفسر بالضعف. علينا في لحظات كتلك أن نسأل أنفسنا إن كان الحال المثالي الذي نصبوا إليه قيد التنفيذ، وإن كان حقاً بالقيمة التي نظنها في الواقع، أم أنه هنالك مكان لإعادة حساباتنا.
هنالك حالات بها من الضروري جداً الصمود وعدم التنازل، ولكن أحياناً، فقط من هو في موقف قوة نفسية يستطيع إتخاذ قرار التنازل والتسوية، دون أن تهز ثقته بنفسه، ودون أن تهتز قدرته على المواصلة والإستمرارية.
مناقشة
لا توجد تعليقات حتى الآن.