أنت تقرأ...
انا وولدي

” أولادكم أبناء الحياة “- عن التناقضات والصراعات في علاقة الأهل مع ابناءهم

لا تخلو علاقة أي والد/ والدة بابنه أو ابنته من التناقضات والصراعات، فهذا أمرٌ طبيعي وهام من أجل إنشاء وتربية الأجيال الجديدة. حتى إن كانت هذه الصراعات طبيعية، وحتى إن كانت تتعدى حدود الطبيعية لتصل إلى المرضية، فهي صعبة ومتعبة. في هذه المرحلة ليس على الأهل أن يقوموا بتنمية أولادهم فقط، بل أيضاً أن يكبروا وينموا أنفسهم كأهل.

يأتي الطفل إلى العالم حاملاً تصورات وأمال والديه بأن يكون طفلاً مثالياً وبأن يكونوا أمامه والدين مثاليين. ولكن للأسف هذه معادلة أيضاً مثالية ومن الصعب تحقيقها. ليس من السهل التخلي عن هذه المعادلة فذلك يحتاج مجابهة صعبة لخيبة الأمل، ولكن في الأبوة الطبيعية يستطع الوالدان القيام بهذه المجابهة رغم صعوبتها، وبعد ذلك يستطيعان رؤية من وماذا يكون حقاً طفلهم وتقبله مع “غير مثاليته”. بعد هذه المرحلة يستطيع الوالدين تقبل فكرة: “إنه يشبهني، ولكن له ألحق أن يختلف عني”، “إنه ابني، ولكن له ألحق أن يكون من يريد، وليس فقط من أريده منه أن يكون”، “إنه ابني، ولكنه لم يصنع فقط كي أصلح به ماضي دون أن يكون له ألحق في عيش حاضره”.

حالات محتملة تدور في ذهن الوالد/ الوالدة (أللا-وعي) حين يعارضهم ابنهم (المعارضة البدائية الطبيعية التي تبدأ في السنة الثانية من العمر):

· ”لقد كنت طفلاً مشاكساً، كنت أسبب لأهلي ذات الأذى، فأنا استحق معاملة ابني لي”.

النتيجة: بسبب شعور الوالد/ الوالدة بالذنب كطفل تجاه أهله، لا يمكنهم الوقوف صامدين أمام عنف الطفل تجاههم، والنتيجة تكون طفل مفرط الدلال، صعب الإرضاء وبدون قدرات إجتماعية.

· “إنه يغضبني، ويهينني ولا يهتم في. رغباتي ليس لها حساب عنده وهو يريد فقط أن تُحقق رغباته! هذا هو نفس الشعور الذي شعرته تجاه والدي المتسلطين . لن اسمح له بمعاملتي بهذه الطريقة!”.

النتيجة: طفل مكبوت، لا تعطى له فرصة ليكون منفرداً ومستقلاً. طفل كهذا يمكن أن يزيد معارضته بسبب إيمانه بأنها الطريقة الوحيدة ليحصل على ما يريد، ويمكن أيضاً أن تشوش قدرته على بناء شخصية مستقلة مع كل ما لذلك من تأثيرات مستقبلية.

· لا أريد أن أقسو على طفلي كما قسي علي والدي، لا أريد أن أسبب له ذات العذاب الذي سبباه لي والدي.

النتيجة: بسبب شعور الوالد/ الوالدة بالذنب تجاه طفله في كل محاولة له ليكون حازماً، لا يمكنهم الوقوف صامدين أمام عنف الطفل تجاههم، والنتيجة تكون أيضاً طفل مفرط الدلال، صعب الإرضاء وبدون قدرات إجتماعية.

لقد إختصر جبران خليل جبران – في كتاب “النبي”- هذا الكلام بطريقته الرائعة:

 ” ثم دنت منه إمرأة تحمل طفلها على ذراعيها وقالت له: هات حدثنا عن الأولاد.

فقال: أولادكم ليسوا لكم أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها,

بكم يأتون إلى العالم, ولكن ليس منكم. ومع أنهم يعيشون معكم, فهم ليسوا ملكاً لكم.

أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم, ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم, لأن لهم أفكارأً خاصةً بهم.

 وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادكم. ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم. فهي تقطن في مسكن الغد, الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى ولا في أحلامكم.

وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم. ولكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم. لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء, ولا تلذ لها الإقامة في منزل الأمس.

أنتم الأقواس وأولادكم سهام حية قد رمت بها الحياة عن أقواسكم. فإن رامي السهام ينظر العلامة المنصوبة على طريق اللانهاية, فيلويكم بقدرته لكي تكون سهامه سريعة بعيدة المدى.

 لذلك, فليكن التواؤكم بين يدي رامي السهام الحكيم لأجل المسرة والغبطة. لأنه, كما يحب السهم الذي يطير من قوسه, هكذا يحب القوس الذي يثبت بين يديه”.

 تحياتي,

بسمه

متخصصة في علم النفس العلاجي.

للمزيد من مواضيع الوالدية:

كيف نتكلم مع اطفالنا كي يصغوا الينا؟     

إعادة السُلطة للأهل ووضع الحدود للأبناء

الأم الجديدة- وضعها النفسي واحتياجاتها

References:

Espasa, Francisco Palacio(2004) ‘Parent – infant psychotherapy, the transition to parenthood and parental narcissism: Implications for treatment’, Journal of Child Psychotherapy, 30: 2, 155 — 171.

About Basma Saad

Clinical psychologist and artist

مناقشة

لا توجد تعليقات حتى الآن.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

اضغط هنا لكي تتسجل للموقع وتحصل على المقالات الجديده مباشرةً لبريدك الالكتروني

انضم مع 91 مشترك

مرحباً

هنا في مدونتي الخاصة أكتب عن الصحة النفسية، ما يدعمها وما يعيقها. أحيانا أكتب من وجهة نظر مهنية، وفي أحيان أخرى أشارك في أفكار واراء شخصية. أعتبر مدونتي مساحتي الخاصة التي تمنحني كامل الحرية الفكرية. اسمي بسمة، وأنا أخصائية نفسية علاجية مع خبرة سنوات طويلة في التشخيص والعلاج النفسي. بالاضافة الى ذلك يشغل الفن والرسم حيزا كبيرا في عالمي النفسي والفكري، وأنا أرسم في الألوان المائية.
%d مدونون معجبون بهذه: